وصلت سعاد إلى الجلسة النسائية التي نظمتها أختها سمر بمناسبة عيد ميلادها الستين متأخرة، لم تضع مساحيق التجميل كما اعتادت كل يوم، كان وجهها شاحبا غاضبا لا يظهر فرحا أو شغفا بالحياة، ما أن علت أصوات السيدات بالغناء”هابي بيرثدي تويو” حتى انفرطت مسبحتها وأجهشت بالبكاء، ظهر الأمر وكأنه بكاء الفرح بالمفاجأة اللطيفة، لكن الحقيقة كانت بعيدة عن هذا التفسير، وما أن خلت سعاد بأختها حتى صرخت بأعمق ما فيها من قهر”لا أريد أن أموت عذراء”
نقلت لي سمر ما دار بينها وبين أختها في الغرفة المغلقة، كان قلبها يتقطع قهرا على سعاد ولا تملك لها حلا، اعتدنا أن نطلب من نسائنا الصبرفي هذا الجزء من العالم البائس، وكأن الصبر خُلق للمرأة فقط، حتى أن الرجل المتزوج غير المشبع جنسيا يسمح له بالزواج ولا يطالب بالصبر، بينما تطالب زوجته الأولى بالصبر المفروض على النساء، ماذا عساها سعاد أن تفعل وهي المحرومة من واحد من أهم حقوقها البشرية وهو الجنس؟
نتحدث في عالمنا العربي عن الرجل واحتياجاته، رغبات المرأة لا تُذكر ولا يُعلن عنها، أعوام طويلة من البرمجة حولت المرأة إلى كائن منافق يُظهر الملائكية والترفع عن الشهوات، وكل من تسول لها الحديث عن هذه الرغبات تُنعت بالعهر وقلة الأدب، لتصبح عظة وعبرة للأخريات، والنتائج كما نرى مجتمع منافق يسوده الحرمان.
سعاد تنتمي إلى عائلة محافظة، والطريقة الوحيدة لممارسة حقها في الجنس هي الزواج، بل إنها تعيش في بلاد تُقتل المرأة فيها إن أقامت علاقة مع رجل خارج هذا الإطار، فكيف ترى سعاد نفسها وهي التي لم يعرض عليها رجل الزواج يوما، المرأة في عالمنا العربي تُطلب ولا تَطلب، تُختار ولا تَختار، وسعاد لم يخترها أحد، ولهذا عليها أن تجابه مصيرها وأن تُحرم من حقها طوال العمر، أي ظلم هذا ؟
المجتمع لا يكتفي بحرمان سعاد من حقها الذي تحصل عليه كل الكائنات الثديّة، بل إن بدا عليها علامات الإحباط والتوتر بسبب هذا الحرمان العاطفي والجنسي ، هاجمها باللقب الجاهز”عانس” ، فسعاد لا يُقبل منها أن تنفعل أو تستاء أو تُظهر الضعف أو القوة ، هي محاصرة باللقب أينما ذهبت، وعليها أن تثبت أنها ملاك في كل الأوقات حتى لا يقال مكبوتة أو محرومة تُخرج هذا الحرمان والكبت في وجوه الناس على شكل غضب.
لعل سعاد تقرأ هذه المقالة اليوم لأخبرها بل وأطلب منها أن تغضب، وأن تعبر عن غضبها ولا تبالي، كالجائع والظمآن هي، تخيل أن تطلب من فقير أن يموت جوعا ولا يطلب الغذاء، أو تطلب من الظمآن أن يموت عطشا، هذا تماما ما تفعله مع سعاد عندما تطلب منها أن تموت عذراء