زيارة عيادات الطبّ النسائي ليست تجربة سلسلة عند الكثير من النساء.
يرتبط مفهوم الصحة الجنسية في مجتمعاتنا بالإنجاب فقط. إن كنت عازبة، الحاجز بينك وبين الفحص الدوري كبير، رغم أهميته، لأنه يصنّف في خانة المحرّمات، وربما ستسمعين أسئلة لا ترغبين بالإجابة عنها. وحتى إن كنت متزوجة، لا مجال لفهم صحتك الجنسية خارج وظيفة الحمل، أي مشكلة صحية خارج إطار الإباضة والولادة خارج الرادار.
غالبًا، تتطلّب زيارة عيادة الطبّ النسائي استعداداً نفسياً ما. ليس فقط لأنّ حضور الزوج أو الأم ضروريان “لرفع الشبهات” عن المريضة، كأنها بحاجة لوصاية دائمة على جسدها، ولكن أيضًا لأنّ الفحص مرتبط بأكثر مناطق جسمها حميمية والتي قد لا ترتاح لكشفها أمام غرباء، سواء كانوا أطباء أو طبيبات.
تروما المرة الأولى
زرت الطبيب النسائي للمرّة الأولى في حياتي، منذ نحو أربع سنوات، قبل فترة قصيرة من عيد ميلادي الثلاثين. لم أعد الكرة لسنوات عدة. أعرف أنّ ذلك إهمال، خصوصاً أنّنا حين نجتاز الثلاثين، لا يعود الاهتمام بصحتنا الجنسية ترفاً، مع ضرورة الفحوص الدورية للوقاية من الأورام الخبيثة.
كامرأة زائدة الوزن، أتوقّع ألا يكون الأطباء لطفاء معي. أمتصّ الأمر بهدوء وأبلع لساني، حتى إن أراد طبيب العيون نصحي بحمية غذائية. في بعض الأحيان أوفّق بأطباء يعرفون أن مهمتهم مساعدتي وليس السخرية مني أو تأنيبي. قبل زيارة الطبيب النسائي، خضت حوارات طويلة بيني وبين نفسي لأقنعها بأنّ صحتها أهمّ من أيّ خوف. “بالنهاية طبيب”، قلت، ونفّذت.
وصلت وجلست في المكان المخصص لي على أهبة الاستعداد، وحضر الطبيب. كان ذلك أقصر فحص في التاريخ. نظرة واحدة كانت كافية ليرسم على وجهه علامة قرف مني.
لم يعجبه كرشي ربما؟ كأن ذلك هو الغرض من الزيارة. لست ناشطة جنسياً ولا أعتني كثيراً بشكل المناطق السفلية. هل أزعجه الشعر؟ لماذا اختار مهنة مرتبطة بأعضاء النساء الجنسية إن كان يستغرب الشعر؟
لم يفحصني حتى. مرّر الإيكو على بطني، ثمّ قال لي إنّ الآلة لن تستطيع التقاط الجزء السفلي من بطني عند منطقة المبيضين، بسبب الوزن. أوكي! أليس المفترض أنّ تلك الآلة مصممة لبطون الحوامل المنفوخة؟ ارتديت ملابسي بسرعة وخرجت.
لم أتحرّر من تلك التجربة، وقررت مناقشتها مع أخريات، فوجدت أنّ التجارب ليست كلها سلبية. كثيرات يشعرن بالأمان بين أيادي أطبائهم وطبيباتهنّ. ولكن ذلك لا يلغي وجود نسبة كبيرة من التجارب المرعبة في حياة من تحدثت إليهنّ.
خلال فحص طبيبتها لها، شعرت سارة بالألم، واصلت الطبيبة عملها من دون اهتمام، وغمزتها ساخرة “عيب، كيف تتألمين وأنت متزوجة”
إهمال قد يكون قاتلاً
تخبرني نسرين ر. عن قصة إهمال كانت ضحيتها. قبل سنوات قليلة، لاحظ طبيبها بقعة دم صغيرة على الكبد. بعد اضطرابات في دورتها الشهرية، وصف لها الطبيب النسائي حبوب منع الحمل المستخدمة لإعادة تنظيم الدورة. أخبرته عن حالة كبدها الصحية، واستعلمت منه عن انعكاسات سلبية قد تسببها الحبوب. لم ينبهها إلى أنّ العلاج الهرموني قد يفاقم حالتها.
لم تنتبه نسرين إلى أنّ بقعة الدم على الكبد زادت بضع سنتيمترات، إلا حين هاجرت من لبنان إلى الولايات المتحدة، حين أعلمها طبيبها هناك أنّ السبب المباشر لتضخّم البقعة هو الحبوب التي كانت تتناولها بشكل منتظم.
لا تستطيع الشابة كتم غيظها من التجربة التي خاضتها، واستسهال الطبيب وصف الحبوب من دون تفكير بصحتها بشكل أشمل. تشعر بالقلق من أزمة صحيّة كان يمكن تفاديها، لو أنصت طبيبها الأول للائحة الأدوية التي تتناولها.
تشترك النساء في تجارب المعاناة مع عدم إنصات الأطباء لهنّ. هالة خ. تزوّجت بعد الأربعين، وأمضت سنوات طويلة في العيادات والمستشفيات، مع محاولتها الإنجاب، ومداواة آلام التشنّج المهبلي. لم تكن تجاربها مع الأطباء سلبية دائماً، ولكن إحداها كادت تودي بحياتها.
خلال إحدى تجارب الحمل غير الموفقة، وبعد لفظ جسدها للجنين، لاحظت نزيفاً حاداً. حاولت لفت انتباه الطبيب في المستشفى إلى أنّ كمية الدماء غير طبيعية. لم يسمعها، وسمح لها بالعودة إلى المنزل. خلال ساعات، كانت قد فقدت كمية كبيرة من دمها، وانخفض ضغطها، وكانت العواقب ستكون وخيمة لو لم يوصلها ذووها إلى المستشفى في الوقت المناسب.
السخرية والغمز
تؤجل أمل الانجاب منذ فترة، لأنها ترفض الفكرة من أساسها، ولأنها تشعر بالخوف، خصوصاً أنّها تعاني من اكتئاب ثنائي القطب. شاركت مخاوفها مع طبيبتها، فلم تلق منها أي تفهّم لحالتها النفسية. على العكس. سخرت منها وجعلتها تشعر بأن قلقها غير مشروع. تعيش أمل في بلد خليجي، ولأنّ الإجهاض ممنوع قانوناً، أجرت العملية خارج بلادها.
عدم الاستماع لآلام النساء قصة مشتركة مع اختلاف البلدان. بعد زواج سارة في الجزائر، أصيبت بالتهاب، وخلال فحص طبيبتها لها، شعرت بالألم. واصلت الطبيبة عملها من دون اهتمام، وقالت لها “عيب، كيف تتألمين وأنت متزوجة”، وراحت تغمزها وتسخر منها.
الوصم بالدلع، تجاهل الألم… قصص تتكرّر كثيراً. كأنّ أي ألم تعاني منه المرأة مبالغ به، أو غير مبرّر
في تجربة أخرى، وقبل الإنجاب، فاتحت سارة طبيباً مشهوراً بخوفها من الألم المرافق للولادة، وطلبت منه حلولًا لتفادي ذلك. سخر منها، وقال لها إنّ خوفها غير مبرّر لأنّ “النساء تلد وتتألم منذ فجر التاريخ”.
آلام مهولة اختبرتها ميسم أيضاً عند إجراء أحد الفحوص الدورية. الأمّ لطفلة رضيعة بقيت تخشى زيارة الطبيب لأشهر بسبب شدّة الألم الذي اختبرته. تقول إن الطبيب لطيف ومتفهّم ومراعٍ لمشاعر مريضاته، لكنّها تعتقد أنّه لا بد من وجود طريقة ما كان يمكن استخدامها لتفادي ما شعرت به. ليس ذلك أكثر ما يزعجها، بل الأطباء الذين لا يعطون مجالًا للأسئلة، وكأن الحوار مع المريضة يؤخرهم عن أمور أهمّ.
ليس كلّ ألم دلعاً
الوصم بالدلع، تجاهل الألم، السخرية من حاجات المريضات، قصص تتكرّر كثيراً. كأنّ أي ألم تعاني منه المرأة مبالغ به، أو غير مبرّر، في تكريس للفكرة السائدة عن النساء بأنّ قدرتهنّ على تحمّل الألم ضئيلة، أو كأنّ الألم قدرهنّ ويجب أن يقبلنه بصمت.
من الأفكار التنميطية الأخرى التي يظهرها أداء بعض الأطباء النسائيين، تعاطيهنّ مع المتزوجات حديثًا كأنّهنّ “آلة إباضة متشوقة للحمل”. نصحت إحدى الطبيبات ملاك بضرورة إجراء فحص أنابيب، بعدما قرأت فحوصاتها، وحسمت لها الأمر: تلقيح أو طفل أنبوب.
من باب الحشرية، عرضت فحوصاتها على طبيب آخر، فقال لها لا مشكلة، ستحبلين خلال فترة قصيرة. وذلك ما حدث بالفعل. وحين راجعت طبيبتها الأصلية، قالت لها: “رأيت دمك محروق على الحمل، كنت فقط أحاول التخفيف عنك”. علمًا أنّ فحص الأنابيب كان سيؤثر على الإباضة ويمنع الحمل لو لم تستعن المريضة برأي طبيب آخر.
أكثر ما يزعج لينا في الأطباء سؤالهم عن وضعها العائلي، وإن كانت متزوجة أم لا، لأن عزوبيتها تعني نظرات تقييم أخلاقية حول نشاطها الجنسي. برأيها هذا ليس دور الطبيب، فالحفاظ على خصوصية المرضى ومعاملتهم من دون أحكام أمر ضروري. بعد تجارب مريرة، وصلت إلى عيادة من تسمّيه “أفضل طبيب على الإطلاق”. تقول: “التقيته في مناسبة عائلية، فلم يلق عليّ التحيّة، وتصرّف كأنه لا يعرفني، وقدرت لفتته تلك كثيراً”.
الأكيد أنّ مهنة الأطباء صعبة، والأكيد أنّها تساهم في تحسين حياة النساء… كلّ ما هو مطلوب، مع الشكر، أن تستمعوا إلى مريضاتكم قليلًا
المصالحة المؤجلة
بعد تأجيل لسنوات، تجرأتُ على المحاولة من جديد مع طبيب نسائي آخر. يمكنني القول إنّها كانت من أفضل التجارب في حياتي. أنصت إليّ، لم يقاطعني، سمع قصتي كلّها، وسأل عن أعراضي. لم يحرجني، لم يؤنبني، شرح لي حالتي بدقّة، وكيف يمكن لخسارة الوزن أن تساعدني، وكيف يمكنني أن أخسر ذلك الوزن من دون فشل هذه المرّة.
لم يشعرني أنّ فشل الايكو في عيادته كارثة، أو أنّه خطئي، أحالني إلى التصوير الشعاعي، لأنّ لكلّ شيء حلّ، وطلب مني أن اجري فحوصات مخبرية ليأخذ فكرة واضحة عن حالتي.
كنت أعاني من متلازمة تكيّس المبيض منذ سنوات، ولم أكن أعرف ذلك. حين قرأ فحوصاتي أوضح لي السلبيات فيها، وشجعني على الكثير من الايجابيات. لم يشعرني أنني تحت وطأة كارثة ما. لم يعط رأيه بنمط حياتي. كان متفهماً جداً، وحين خرجت من عيادته كنت أعرف أشياء جديدة عن صحتي، وأسعدني ذلك بالرغم من تشخيصي بمتلازمة لا علاج سريع لها. شعرت للمرّة الأولى أنّي تصالحت مع زاوية مهملة من جسدي.
بالنسبة للأطباء النسائيين، خصوصاً في لحظات فاصلة كالولادة، ومع وجود خطر حقيقي على صحة الأم وجنينها، لا بدّ من استخدام نبرة حازمة أحياناً. تحت الضغط، قد تفلت من أفواههم كلمات غير لطيفة. الأكيد أنّها مهنة صعبة، والأكيد أنّها تساهم في تحسين حياة النساء… كلّ ما هو مطلوب، مع الشكر، أن تستمعوا إلى مريضاتكم قليلًا.