الدبلة .. أكثر من مجرد خاتم زفاف
بينما كنت أشاهد أحد المسلسلات الأميركية، علّقت البطلة بجملة استوقفتني وقادتني إلى رحلة من البحث والنقاش لأصل إلى كتابة المقال الآتي. الجملة كانت: “الدبلة” أي خاتم الزفاف أداة ذكورية تم ابتكارها للهيمنة على النساء. كان وقع الجملة علي كالصاعقة، فبدأت البحث عن جذور هذه الدبلة وكيف وصلت لتكون رمزاً يتعارض مع النسوية، فما هي القصة؟
بدأت فكرة خاتم الزفاف في عهد قدماء المصريين الذين اعتقدوا أن وريداً في القلب مرتبط بإصبع “البنصر”. وكانت الدائرة ترمز إلى الحب الأبدي، لذا كان يتم صنع خاتم دائري يوضع حول إصبع المتزوجين. وكانت الخواتم حينها تُصنع من مواد طبيعية وليس من معادن كما يحدث اليوم.
بعدها قام الرومان باتباع نفس الفكرة للدلالة على المحبة والطاعة بين الأزواج. لكن تم تصنيعه هذه المرة من معادن مختلفة مثل البرونز والنحاس، وتدريجياً تطور الأمر إلى الذهب والألماس في الدول الغربية. ولأسباب رأسمالية هدفها الربح فقط، شجعت الشركات الكبرى هذا التقليد لتحقيق الأرباح حول العالم.
عظيم حتى الآن، لكن لماذا يعتبر هذا الخاتم ضد النسوية؟
تهدف النسوية بالأساس إلى أن تكون النساء متساويات في حقوقهن مع الرجل. وإذا تأملنا في “الدبلة” سنجد أن القصة معقدة ويحمل توريات عدة، فمن البداية هناك تمييز بين النساء، فلا تُعامل كل امرأة بالطريقة ذاتها.
معاملة المتزوجة تختلف عن غير المتزوجة، فالأولى تحظى بحماية أكثر لأن “لها رجل يدافع عنها” وعادة ما يبتعد عندها الرجال بمجرد رؤية الخاتم. على عكس العزباء التي يعتبرها بعض الرجال مشروع “صيد سهل”، وفريسة يمكن التحرش بها واستغلالها بأي طريقة لأنها أصابعا خالية من “الدبلة” وليس لديها رجل يحميها.
على المقلب الآخر، يرى البعض أن الخاتم يحمل رمزية تدل على الانتماء لشخص آخر، مما ينزع استقلاليتها وفردانيتها. على عكس الرجل الذي يعتبر أعزب أو متزوج وحسب، فالمتعارف عليه أن المرأة تنتمي إلى الرجل بينما لا ينتمي الرجل إلى زوجته بقدر انتمائه لنفسه.
وتعترض بعض الآراء على شكل الدبلة نفسه، فهذه الدائرة المعدنية تشي بحالة طبقية واجتماعية تحدد قيمة المرأة أيضاً. فالخاتم الثمين يعكس قيمة صاحبته ويحول من ترتديه إلى سلعة ببطاقة سعر، كما يدل على انتماء الزوجة لرجل غني وبالتالي يزيد من قيمتها في عيون المجتمع.
أما التي لا تضع خاتماً ثميناً بأحجار كريمة باهظة، فدبلتها تدل على طبقتها الاجتماعية، ولا داعي للتطرق إلى كيفية التعامل مع المرأة الفقيرة في مجتمعاتنا مقارنة بالغنية التي يهابها الجميع.
وهذا يأخذنا إلى تفاصيل الزواج كلها، فتقول إحدى وجهات النظر إن الزواج من شخص آخر ليس لفتة رومانسية بل اتفاق متبادل له آثار اقتصادية واجتماعية، لذا يجب ألا يتضمن كل هذه البهرجة كالشبكة وحفل الزفاف وغيرها من التفاصيل التي تضر أكثر مما تفيد وتعتبر تبذيراً وخسارة بلا نتيجة.
لكن بعيداً عن كل هذا، لماذا يجب أن أوضح للجميع أني امرأة متزوجة أو عزباء؟ بمعنى آخر امرأة عذراء يسهل التقرب منها أو غير عذراء لديها رجل يحميها، ما الفائدة من ذلك؟
“س. ع” طبيبة علاج طبيعي (35 عاماً) متزوجة ولا تضع الدبلة منذ بداية الزواج لأن زوجها لا يتذكرها إلا نادراً، وترغب في أن يكون لديها نفس حريته، غير أنها ترى أن الدبلة صك ملكية للزوج.
وخلال حديثنا أخبرتني أنها ترى أن المرأة في مجتمعاتنا “ملكية تنتقل من الأب للزوج، ويتم التسليم وعقد الملكية بشهادة الزواج، وتكون الدبلة الرمز الشاهد على ذلك، وهي أشبه بالقلادة التي تضعها الحيوانات ليتم تمييزها عن بقية أقرانها”.
وأضافت: “الدبلة تعني (أنت بتاعتي) خاصة تلك التي يُكتب عليها اسم الزوج، تماماً كالكلب الذي يكتب على شارته إسم صاحبه حتى يعرف كل الناس. في حين أن الرجل غير مطالب بوضع الدبلة في إصبعه طوال الوقت، ولا يراقبه أحد إذا خلعها أو نسيها … حتى أن بعض الرجال يضعون الدبلة بدون زواج فهم أحرار تماماً. لكن الفتاة مستحيل أن تفعل ذلك فعيب جداً أن تضع دبلة إذا كانت غير متزوجة أو تقرر أن تخلعها إذا كانت متزوجة، فهذه أمور لا يمكن العبث بها”.
وعن تجربتها، تشير إلى أنها بدأت بخلع دبلتها بشكل دائم، الأمر الذي لفت نظر زوجها وأغضبه، حتى أنه حاول أن يساومها ويلتزم بوضعها مقابل ألا تخلعها هي من يدها لكنها لم تذعن.
تقول: “لا أحب أن يعرف الناس من أنا من مجرد خاتم. لما أنا مرغمة على التوضيح للجميع أني امرأة متزوجة أو غير متزوجة؟ بمعنى آخر امرأة عذراء أو غير عذراء، ما الفائدة من ذلك؟ أحب أن يتم التعامل معي على أني إنسانة وحسب”!
بعض النسويات يعتبرن أن خلع الرجل للدبلة ربما يعني أنه متاح لمغامرة جنسية بينما يعني للمرأة أنها غير محمية، أو الأسوأ غير مرغوبة، فلم يعجب بها رجل حتى الآن، أو يتخذها زوجة.
وعلى عكس “س، ع” قصة مختلفة تماماً لمعلمة لغة إنكليزية (ش.ف) وهي أرملة تبلغ من العمر 55 عاماً، لم تخلع الدبلة منذ وفاة زوجها لكي لا يعرف أحد أن زوجها توفي.
تقول إن “الزوج هو رمز الحماية والأمان بالنسبة لأغلب النساء في مجتمعاتنا، لهذا لا أخلع الدبلة حتى لو توفي زوجي فأنا لا أحب أن أقول للناس -الرجال تحديداً- أني أرملة. فحتى أقرب الأشخاص ينظرون لي أحياناً نظرة سيئة أو أرى في عيونهم الشفقة وأشعر أني ضعيفة وليس لي من يدافع عني”. وتضيف خاتمة: “للأسف وجود رجل في حياة المرأة أمر ضروري لحمايتها”.
هكذا قادتني جملة في مسلسل إلى بحث عن تاريخ الدبلة وتطورها ورمزيتها في زمننا مع نظرة الآخرين إليها رجالاً ونساءً. لكن هذا المقال ليس دعوة لخلع الدبل، بل خطوة نحو إدراك أن الدبلة رمز لعدم استقلاليتنا المجسدة في أشياء كثيرة وتفاصيل صغيرة وتقاليد عمرها آلاف السنين. وأن هذا الخاتم ليس سوى دليل على تبعيتنا كنساء وإن كان –للأسف- يشكل درع حماية في مجتمعاتنا العربية، من رجال قد يتحرشون بنا أو يعتبروننا فريسة سهلة.
كتابة وفاء خيري
يمكنك قراءة هذه المقالة باللغة الإنجليزية من هنا.