“طردتُ من اللعبة لأني كنت الأقوى”، تخبرنا الشابة العشرينية فرح منصور صاحبة المعدلات العالية في لعبة Battlefield. تتنافس في اللعبة ثلاث فرق، ضمن صراع نفوذ بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، ويمكن للاعبي الفريق الواحد التصويت على طرد أحدهم.
تقول فرح: “صوّت أعضاء فريقي ضدّي مرتين. كنت أجهل الأسباب لأني كنت صغيرة، لكني حالياً مقتنعة بأنّهم طردوني من الجولات لأني بنت”. كان الطرد يؤذي ترتيب فرح العالمي، لذلك اختارت أن تلعب باسم رجل.
الزومبي المدمّرة
تدمّر زومبي أعداءها ببندقيتها المتطورة. تبيدهم من دون رحمة. هي قناصة ماكرة تجيد إصابة الخصم حتى لو كان مختبئاً. تنظم صفوف فريقها بواسطة الميكروفون، وتعطيهم أوامر الهجوم، والانقضاض، والتراجع.
إنها لين سرحان المشاغبة في لعبة Overwatch. منذ طفولتها، أغُرمت بألعاب الفيديو. تطور أداؤها مع الوقت، تُعد حالياً واحدة من أفضل اللاعبات العالميات في اللعبة.
تهتم لين بكافة تفاصيل الجولة التي تلعبها. حاسوبها من نوع أيسوس المخصص لألعاب الفيديو. تطلب شقيقها الأكبر أن يفصل الإنترنت عن هاتفه أحياناً، وتمنعه في أحيان أخرى من استخدام اللابتوب كي لا يؤثر على سرعة الانترنت خلال اللعبة.
يمكن للاعبين من دول مختلفة تشكيل فريق للمنافسة. وعندما يظهر اسم لين على الشاشة، يتوافد الأقوياء المحترفون للعب في صفوف فريقها.
تدرس الصبيّة علوم الحوسبة في الجامعة العربية في بيروت، وفي لعبة “أوفر وتش” تلقّب نفسها بالزومبي، وتقول لـ”خطيرة”: “يعرف الجميع أن زومبي أنثى شرسة. يحترمني الجميع، لاعبات ولاعبين، ويسعون للعب ضمن فريقي. نتبادل خدمة الصوت خلال اللعب، وأسمع أحياناً أفراداً من الفريق المقابل، يتهامسون إشادةً بقوتي في اللعب، وبكوني غير قابلة للهزيمة”.
تاريخ من التحيّزات الجندرية
تبلغ نسبة اللاعبات في مجال ألعاب الفيديو 45 بالمئة من مجمل مستخدميها، أي أنّ الهوّة الجندرية في المجال ليست شاسعة لناحية العدد. لكنها تبقى حاضرة بقوّة في تفاصيل أخرى، من بينها ميدان تبلغ قيمته الاستثمارية حوالي 120 مليار دولار سنوياً.
منذ بزوغ عصر ألعاب الفيديو، كان وجود النساء فيها بمثابة أزمة. في العام 1993، عقد الكونغرس الأميركي جلسة لمساءلة مصممي ألعاب الفيديو عن العنف المفرط فيها، ومن ضمنه العنف ضدّ النساء.
أتاح الإعلان الأولي للعبة Lara Croft عام 2012 فتح النقاش حول طريقة تصميم الألعاب، إذ كانت لارا على وشك أن تتعرض للاغتصاب من قبل منافسها، ما أثار الكثير من الجدل.

تمتدّ جذور هذا النوع من المحتوى إلى ثمانينيات القرن الماضي، حين سادت في السوق الرقمي ألعاب فيديو مخصصة للبالغين مثل لعبة “ميستيك” والتي تظهر فيها النساء عاريات، وحصدت مبيعاً هائلاً.
كما واجهت شركة Riot Games، مبتكرة لعبة الفيديو Leage of Legends، خلال السنوات القليلة الماضية دعاوى قضائية تتهمها بالتمييز الجندري.
“صوّت أعضاء فريقي ضدّي مرتين. كنت أجهل الأسباب لأني كنت صغيرة، لكني حالياً مقتنعة بأنّهم طردوني من الجولات لأني بنت”
أنوثة وذكورة على المسطرة
تشير دراسات إلى أن نصف اللاعبات المشاركات في ألعاب الفيديو، يتعرضن للتنمر خلال جولات اللعب، وأنّ 36 بالمئة منهنّ يشتكين من قلة الاحترام. كذلك تلجأ بعض اللاعبات إلى استخدام اسماء ذكور لإخفاء هويّتن.
ولطالما سيطر على صناعة ألعاب الفيديو تنميط النساء، وكانت الألعاب تتيح دوماً تصويرهنّ كأدوات جنسيّة، أو تعنيفهنّ. كما تسود التصوّرات النمطية للأنوثة والذكورة، إذ يظهر الرجال أقوياء ومفتولي العضلات، فيما تعطى للنساء أدوار تجارية جانبية أو يوضعن في مهام تقليدية.
ينطبق ذلك أيضاً على تصوير الأقليات العرقية. ففي لعبة Grand Theft Auto الشهيرة احتل الرجل الأسود لسنوات صفة المجرم، والذي يستمتع بغنائمه المالية عبر زيارة الملاهي الليلية والتسلي بمشاهدة النساء. كذلك سادت في اللغة المتبادلة بين اللاعبين شتائم ذات طابع جنسي أو تمييزي ضد المثليين، ففي نسخ قديمة كان من الممكن أن ينشب اشكال ضخم بين الأطراف بعد سماع عبارة مثل “اذهب وارتدي التنورة”.
وفي دراسة شملت 225 لعبة استطاع خبراء البرمجة رصد ثغرات تشفيرية على مستويين: حضور النساء شبه عاريات، وتضخيم حجم أجساد الرجال. ووجدت الدراسة أن اللياقة البدنية للشخصيات المذكّرة، قدّمت بشكل مبالغ به، ولعبت دوراً مهماً في الإعلان عن الألعاب، ما أثّر سلباً على المستخدمين الذكور.
كذلك وجدت دراسة أجريت عام 2016 وشملت أكثر من 570 لعبة صدرت بين عامي 1984 و2014، أن الجنس والمبالغة في تصوير أجساد الطرفين وصل إلى ذروته عام 2005، ثمّ بدأ بالتراجع تدريجياً.
محاولة ردم الفجوة
حالياً، يحاول تيار نسوي إعادة تركيب عالم الألعاب، وبلورة هوية النساء في سياق خالٍ من التحيزات الجنسية الرقمية. فصحيح أنّ عدد اللاعبات كبير، لكن المبرمجات ومطورات ألعاب الفيديو لا يبلغن نسبة أكثر من 24 بالمئة بحسب إحصاءات عام 2019.
أواخر العقد الحالي، بدأت الألعاب تعطي النساء أدواراً بطولية، من بينها دور Samus Aran بطلة لعبة Metroid Prime، ودور لارا كروفت الذي لعبته أنجيلينا جولي لاحقاً في السينما.
من بين المبرمجات العربيات، سعت رين عباس لإحداث فرق. في رصيدها لعبة “دمى” التي عكست الصراع السياسي الأبوي والذكوري بين الزعماء اللبنانيين. وقد اهتمّت بإساءة تمثيل النساء والعنف الفائض، في الألعاب الموجهة لصغار السنّ. وقد توجهت مؤخراً إلى تعليم البرمجة للأطفال، خلال شركتها “سبيكا تيك”، بهدف تحفيزهم على ابتكار نوعية مختلفة من الألعاب.
من جهتها، تستخدم مطوّرة الألعاب اللبنانية ليال فقيه محرك Unity. تقول لـ”خطيرة”: “عندما أفكر بتصميم لعبة، أبحث أولاً عن فكرة أحبها شخصياً، على مستويين، فإما أن أجعلها مضحكة مثل لعبة Pack My Pals والتي تروي قصة طائر مفقود يبحث عن أصدقائه للخروج من المدينة، أو لها معنى عميق مثل BreakFree الذي يتعلق بالهروب للعثور على حريتي”.
وعن الحلول المقدمة لتجاوز التحيزات الجنسيّة تقول ليال: “هناك الكثير من الألعاب التي تستحوذ فيها المرأة على أدوار قيادية. وبتنا اليوم في مرحلة لا يولي فيها المصممون أهمية كبرى للفروق الجندرية في الألعاب، بل يبحثون عن صنع محتوى ذو قيمة، في قطاع يحتوي على أكثر من مليار لعبة، بعضها يستند على قصص حقيقية. والواقع تخطّى محاولات البعض تمرير الجنس والاغتصاب عبر الألعاب”.
في المقابل، تلاحظ فقيه إنّ النساء في العالم العربي يشاركن أكثر في أنشطة البرمجة، لكن أكثرهنّ غير مهتمات باحتراف المهنة، إما لأنهنّ لا يرين أي مستقبل للصناعة في المنطقة، أو لأنّ مجتمع الألعاب مصبوغ يعطي فرصاً أكبر للرجال.