“ضربني وكسر يدي. لم يتأثر ببكائي وبتوسّلي له أن يتركني. خلع ملابسي واغتصبني بعنف. وأنا أبكي وأحاول إبعاده عن جسدي بيدي السليمة، راح يضربني على وجهي ويقول لي: ‘أنا هعلمك الأدب’، ‘مبقاش راجل لو مربتكيش’، ‘إنتي ملكيش أهل’، ‘لو قتلتك محدش هيسأل عنك’، ‘أنا خلاص فضيتلك”.
“لم يكتفِ بذلك، ربطني عارية على السرير لمدة يومين، وكان يدخل عليّ كل فترة ليوبّخني أو يغتصبني مجدداً”.
هذا ما جرى مع صباح، امرأة مصرية تبلغ من العمر 33 عاماً وتقيم في إحدى قرى محافظة المنوفية، وحكت لـ”خطيرة” قصة ثلاثة أيام من التعذيب الوحشي الذي تعرّضت له على يدي زوجها.
قصة صباح مع العنف الزوجي ليست جديدة بل عمرها ثلاث سنوات. تعيش مع زوجها في الطابق الثاني من منزل ريفي، وتحتهما يعيش والداه اللذان كانت تخدمهما بإكراه من زوجها.
كثيراً ما تعرّضت للعنف. ليس من زوجها فقط، بل من والدته التي كانت تضربها بحال رفضت تلبية أحد طلباتها، كالذهاب لتنظيف منزل ابنتها المتزوجة والمقيمة في نفس القرية.
لم يقتصر العنف الذي كانت تتعرّض له على الضرب والإهانات بل كثيراً ما كان يصل إلى “التعذيب”، على حد وصفها. “في إحدى المرات قام بإلقاء مياه ساخنة على جسدي كعقاب لي بسبب شكواي من أمه”.
ولكن مع انتشار فيروس كورونا في مصر والظروف المرافقة لذلك، وصلت معاناة صباح إلى ذروتها. عاد زوجها إلى القرية في منتصف مارس، بعد فقدانه عمله في مؤسسة سياحية، وصارت وظيفته أن يتصيّد الأخطاء لها ليضربها. قص شعرها بسبب تذمّرها من خدمة أهله، وأجبرها على ممارسة الجنس يومياً.

بعد آخر فصل من فصول العنف المتكرّر الذي تعرّضت له، نجحت بالهروب من المنزل، مغتنمة فرصة توجّه زوجها ووالديه إلى المستشفى للوقوف بجانب أخته أثناء ولادتها.
“إنتِ السبب”
وردة، امرأة مصرية أخرى مقيمة في السعودية، عانت من عنف مستمر مارسه زوجها عليها وعلى أولادها الثلاثة، وحكت قصّتها على مجموعة نسائية على فيسبوك.
تزوجت وردة قبل أربع سنوات، ثم سافر زوجها إلى السعودية للعمل وتركها مع أهله. وبعد فترة، وبسبب مشاكل دارت بينهم وتذمّرها الدائم من معاملتهم لها، وافقها على سفرها للالتحاق به. كان حال أسرتها الصغيرة جيداً، كما تروي، ولكن “مع إنجابي ثلاثة أطفال، ثم مع فرض دفع ضريبة إقامة على الأجانب، تدهور حالنا”. ومؤخراً، بسبب الأزمة الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، خسر زوجها عمله، وبدأت المشاكل الحادة.
“أعلم أن الأمور صعبة، ولكنّي لم أطلب منه إلا شراء حاجيات بسيطة للمنزل، حتى أستطيع إطعام أطفالي، فأكبرهم عمره ثلاث سنوات ولن يتحملوا الجوع”. بمجرد أن طلبت ذلك، ضربها زوجها بشدة أمام أطفالها الثلاثة.
تضيف: “كان يخرج ليدخن السجائر، ثم يدخل ليضربني أنا والأطفال. حتى الرضيع لم يسلم منه. لوهلة تخيّلت أنه سيقتلنا”. كان يضربها ويقول لها: “إنتِ السبب، إنتِ اللي أصرّيتي تيجي تعيشي هنا، أهو بنشحت ومش لاقيين ناكل بسببك”. وأخيراً حطّم كرسياً خشبياً على جسدها، فكسر يديها ورفض نقلها إلى المستشفى وألقى بنفسه على السرير وخلد إلى النوم.

لا مكان آمناً
قصتا صباح ووردة ليستا معزولتين. إنهما فقط قصتان من آلاف القصص التي تجري في مختلف الدول العربية وتضاعفت في الآونة الأخيرة، في ظل ما أسفرت عنه الإجراءات المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا، من بقاء المعنّفات بجانب معنّفيهم طوال الوقت.
عدد قليل من النساء المعنّفات يبحن بما يتعرضن له، وعدد قليل منهنّ يمتلكن الجرأة للاتصال برقم هاتف مؤسسة تنقذهنّ من معاناتهنّ.
ولا يتوقّف العنف الممارس ضد النساء على الأذى الجسدي بل يصل إلى وفاة الضحية، وقد تكون مجرّد طفلة، كالطفلة السورية، ابنة السنوات الستّ التي وصلت إلى أحد مستشفيات مدينة طرابلس اللبنانية جثةً هامدة في ليل 6-7 أبريل، بعد تعرّضها لضرب شديد على يدي والدها.
ومع تفشي كورونا، ظهرت قصص مرتبطة بهذا الفيروس، كالقصة التي ترويها لـ”خطيرة” الناشطة العراقية إقبال الأصلان، عن سيدة عراقية تسكن في مدينة الكوفة، واتصلت مستنجدة بمنظمة “حرية المرأة في العراق”، طالبةً إنقاذ بناتها الأربع. فبعد تشخيص إصابتهنّ بكورونا، رفض عمهنّ، الوصي عليهنّ بعد وفاة والدهنّ، علاجهنّ لأن ابتعاد البنت عن البيت عيب، ولم يكتفِ بذلك بل ضرب الأم وحبسها في منزلها ومنعها من الخروج عندما علم بأنها تسعى لعلاج بناتها.
معنّفات كثيرات لا يجدن جهةً تتكفل بمساعدتهن وحمايتهن، وغالباً ما لا يجدن إلا عون بعض المعارف المقرّبين. فوردة، بمجرّد أن غلب النوم زوجها، اتصلت بصديقتها طالبةً النجدة، فحضرت إليها هي وزوجها، ونقلاها إلى منزلهما حيث تقيم بانتظار أن تعود حركة الطيران وتتمكن من العودة إلى أهلها في القاهرة.
أما صباح، فتوجّهت إلى منزل أختها التي وقفت بجانبها وساعدتها على معالجة يديها، ولكن لم يكن ممكناً أن تبقى عندها، فهي متزوجة ولديها أطفال وشقّتها ضيّقة. انتهى الأمر بالسيدة الثلاثينية باللجوء إلى منزل صديقة لها حيث تقيم الآن.
قبل الانتقال إلى منزل صديقتها، تواصلت صباح مع وزارة التضامن الاجتماعي بغرض الانتقال إلى أحد “البيوت الآمنة” الخاصة بالناجيات من العنف فأتاها الردّ: “توقفنا عن استقبال الحالات بسبب كورونا واتجهنا إلى تقليل الأعداد”.
أبواب الدولة مقفلة
رغم فداحة ما يجري حالياً، تجد المعنّفات أنفسهن بدون أي دعم مؤسساتي رسمي. ترفض رئيسة الإدارة المركزية للرعاية الاجتماعية في وزارة التضامن الاجتماعي المصرية منال حنفي الحديث عن الوضع، ولكن مصدراً من داخل الوزارة أكد إغلاق البيوت الآمنة حالياً بسبب أزمة كورونا، بناء على توجيهات من رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بتخفيف الأعداد داخل المؤسسات الحكومية.
هذا التوجّه لم يعجب الناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة بطبيعة الحال. “لا بديل عن البيوت الآمنة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي بالنسبة للناجيات من العنف من الفئات الأكثر فقراً”، تؤكد لـ”خطيرة” الحقوقية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة “القاهرة للتنمية والقانون”، انتصار السعيد، مطالبةً الوزارة بإعادة النظر في قرارها، فبالإمكان إجراء الكشف الطبي اللازم على طالبة المساعدة قبل استقبالها لضمان عدم نشر العدوى.
مشكلة البيوت الآمنة ليست مستجدة أساساً. يشير الحقوقي ورئيس مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، رضا الدنبوقي، إلى أنّ هناك ثمانية بيوت استضافة على مستوى الجمهورية، “لكنّها لا تحمل من اسمها صفة، وغير مؤهلة”.
يقول لـ”خطيرة”: “هي في الأساس ترفض وتتعنت في استقبال حالات العنف الأسري والجنسي، في الأوضاع العادية، أما الآن ومع أن الوضع أكثر خطورة، فهي ترفض فتح أبوابها للمعنفات بحجة خشية إصابتهن بكورونا”.
ويلفت إلى أنه طُلب من الناجيات من العنف البقاء في الحجر الصحي لمدة 14 يوماً بعيداً عن البيوت الآمنة، ويتساءل: “لو تمتلك السيدات المعنفات منازل يقضين فيها فترة حجر صحي، هل كنّ سيلجأن إلى البيوت الآمنة؟”، معتبراً أنّ هذه الإجراءات هي “نوع من تعجيز السيدات وعدم المبالاة بأوضاعهن وما يواجهنه من عنف، ليصير العنف مضاعفاً، من جانب الأفراد مرة، ومن جانب الدولة ألف مرة”.
وبرأيه، “هذا بالطبع مخالف للدستور والقانون المصري، فالدولة ملزمة بنص المادة 11 من الدستور بحماية النساء من العنف، وكذلك عدم التمييز ضدهن بنص المادة 35 منه، ولكنها في النهاية تبقي النصوص حبراً على ورق”.

الارتباط الوثيق بين الأزمات وازدياد العنف
يزداد العنف الأسري في أوقات الأزمات. أكدت دراسات عدة وجود ترابط قوي ووثيق بين الأحداث المجهدة عاطفياً، مثل الأزمات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية، وبين تعرّض النساء للعنف.
وبحسب مديرة التواصل في “مركز الأبحاث والتثقيف حول العنف ضد النساء” والأطفال في “جامعة ويسترن أونتاريو”، باربارا ماكواري Barbara MacQuarrie، فإن للعنف الأسري أسباباً كثيرة، ولكن جوهره هو دينامية السلطة والسيطرة، إذ يشعر شخص ما بأن له الحق في السيطرة على شخص آخر. وتقول إنه عندما يفقد المرء موارده المالية، “قد يحاول استعادة هذه السيطرة من خلال التحكم بزوجته من خلال العنف الجسدي والتكتيكات المسيئة الأخرى”.
علاقة الأزمات الاقتصادية بزيادة العنف الأسري ترد في شهادات ناجيات كثيرات، وتكاد تكون محلّ إجماع عند ناشطات وناشطين كثر.
إحدى الناجيات من العنف في لبنان، وتقيم في مركز إيواء تابع لمنظمة “أبعاد”، تروي قصتها، وتقول: “توقف زوجي عن العمل منذ ثلاثة أشهر. كنت معتادة على تعنيفه لي منذ فترة طويلة ولكن هذه المرة بعد كورونا والحجر الصحي صار يفرّغ غضبه بي وبأولادي بسبب ضيق الحال”.
تعتبر غيدا عناني، مديرة المنظمة، أن موضوع العنف ضد النساء لا ينفصل عن الأزمة المعيشية الخانقة التي يشهدها لبنان وتقول: “مماطلة الحكومة اللبنانية في تقديم المساعدات تعرّض الأسر لمخاطر كبيرة جداً، وتضع النساء والأطفال في عين العاصفة”.
أما إنعام العشا، رئيسة جمعية “معهد تضامن النساء الأردني” فتقول: “نظراً للضغوط النفسيّة وحالة الاحتكاك المنزلي لكلّ أفراد الأسرة، إضافةً إلى ضيق الحال والأوضاع الاقتصادية التي قد تفجّر العديد من المشاكل والصراعات، من المعلوم أن الأضعف في الأسرة هو المرشح للتعرّض للعنف”.
ومن قطاع غزة، تؤكد تهاني قاسم، منسقة “مركز حياة لحماية وتمكين النساء والعائلات” لـ”خطيرة” أن “المتصلات بالمركز يشكون من الأعباء والضغوط النفسية التي تولّدت جراء الحجر، إضافة إلى الشكوى من الوضع الاقتصادي، خاصة في الأسر التي تعتاش على العمل اليومي، ما ينذر لاحقاً بارتفاع في حالات العنف التي يمكن رصدها”.
الواقع أشدّ بؤساً من الأرقام
قد تكون الصعوبات الاقتصادية المستجدة بسبب إجراءات مكافحة انتشار كورونا السبب وراء زيادة العنف الذي تتعرّض له النساء في هذه الفترة، وقد تكون فقط واحدة من أسباب كثيرة. يمكن الاختلاف على تحليل ما يجري، ولكن الأكيد أن هذا النوع من العنف يزيد.
التبليغات على الخط الساخن التابع لـ”جمعية المرأة للإرشاد والتوعية القانونية” في مصر زادت بنسبة 60 بالمئة في مارس الماضي، مقارنة بالشهور السابقة.
والتبليغات على الخط الساخن التابع لـ”التجمع النسائي الديمقراطي”، وهو منظمة لبنانية، زادت خلال مارس الماضي بنسبة 180 بالمئة، مقارنة بالشهرين اللذين سبقاه، وكلها حالات جديدة، و20 بالمئة منها عالية الخطورة، و13 بالمئة لسيدات تركن منازلهن ويحتجن إلى ملجأ لاستقبالهن.

وزادت التبليغات الواردة إلى قوى الأمن الداخلي اللبنانية بنسبة 100 بالمئة في مارس الماضي (مقارنة بنفس الشهر من عام 2019).
ويتحدّث “معهد تضامن النساء الأردني” عن تلقيه 400 اتصال من سيدات يطلبن الدعم النفسي والقانوني والمادي، بعد تطبيق حظر التجوّل الكامل، عدا حالات أخرى تتواصل معه يومياً عبر فيسبوك لتطلب النجدة.
“اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة”، وهي آلية شبه حكومية تنسق الجهود الوطنية في مجال تمكين المرأة، ليست جهة تقدّم الخدمات للمعنّفات، بل يتركز عملها على وضع تشريعات لحماية النساء، بحسب أمينتها العامة سلمى النمس، “ولكن رغم ذلك يصل إلينا اتصال أو اثنين يومياً لسيدات يشتكين من العنف بسبب الحجر الصحي، عكس الأيام الطبيعية حين كانت تصل إلينا ثلاثة أو أربعة اتصالات شهرياً، وليس كلها تتحدث عن العنف”.

وتشير الناشطة العراقية إقبال الأصلان، إلى تلقي “منظّمة حرية المرأة” بشكل يومي العديد من الاتصالات من منظمات أخرى أو أصدقاء من أجل طلب إيواء نساء عراقيات وعاملات أجنبيات، مؤكّدة أنّ الأمر تضاعف بعد انتفاضة أكتوبر 2019، ولاحقاً في ظل تفشي كورونا، ولافتةً إلى أن “الاضطرار إلى الهروب ليس بالأمر السهل على الفتاة إلا إذا كانت تواجه الموت أو التهديد بالموت”.
وأحياناً قد ينتهي الأمر نهايات مأساوية، كما حصل مع الشابة ملاك الزبيدي (20 عاماً) التي توفيت متأثرة بحروقها الشديدة، بعدما أضرمت النار بنفسها بسبب عنف أسري من قبل زوجها وعائلته.
والمشكلة أن كل الأرقام التي توضح زيادة العنف ضد النساء مبنية فقط على حالات التبليغ عن العنف. ولكن في الواقع، “تخشى النساء الحديث حالياً، لأنهنّ يقضين أغلب الوقت مع المعنِّف، في ظروف صعب تقديرها، وقد يتسبّب حديثهنّ في مشاكل أكثر خطورة لهنّ لو علم به المعنِّف”، بحسب المحامي المصري رضا الدنبوقي.
هذا الواقع تؤكده أيضاً سلمى النمس، إذ تقول لـ”خطيرة” إنه بحسب آخر مسح للسكان والصحة الأسرية في الأردن، 67 بالمئة من النساء لا يطلبن المساعدة رغم أنهن يتعرضن للعنف، و”لك أن تتخيلي في ظروف الحظر، ماذا يحدث للنساء اللواتي فقدن التواصل مع شبكاتهنّ الاجتماعية، وشبكات عملهنّ، وليس عندهنّ قدرة على التواصل مع زميلات العمل، فهنّ محصورات في المنزل مع المعنِّف”.
وتلفت النمس إلى أنه في بداية فترة الحظر، حدثت حالة إرباك بسبب عدم حصول منظمات المجتمع المدني على تصاريح للعمل، وتوقف الكثيرات من مقدمات الخدمة عن العمل، “فبالتالي توثيق الحالات أقل من الواقع”، مضيفةً أن الأمر تحسن قليلاً مع بدء استخدام وسائل التواصل الإلكترونية.
الدعم الافتراضي في زمن الجائحة
فرضت الظروف المستجدّة مع إجراءات الحجر الإلزامي وتقييد التجوّل التي أقرّتها الحكومات لمواجهة كورونا تحديات جديدة على عمل المنظمات المعنية بحماية النساء.
تؤكد حياة مرشاد، مسؤولة الحملات والتواصل في “التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني”، لـ”خطيرة” أن “التحديات الحالية أمام المؤسسة، هي التعبئة العامة، عدم التحرك، وغلق المراكز الحكومية، والخدمات التي كانت تُقدم للنساء مُتوقفة، ولا نستطيع تقديمها بشكل كامل، حفاظاً على سلامة موظفينا وسلامة النساء”.
عندما ذهبت إلى الشرطة لتحرير محضر ضد زوجها الذي اعتدى عليها استخف العناصر بمعاناتها وقالوا لها: “إحنا في ايه ولا في ايه؟
بدورها، تشير زينب الغنيمي، مديرة “مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة” في فلسطين، إلى أن “أبرز التحديات الحالية التي يواجهها المركز بوجه عام هي أن خطط كافة المشاريع التي ينفّذها لدعم المعنفات كانت تستند إلى جلسات الدعم المباشرة الفردية والجماعية بالدرجة الأولى سواء تم تنفيذها داخل المركز أو داخل البيوت الآمنة”، وتضيف لـ”خطيرة”: “أما الآن وبسبب بقاء النساء في المنازل، فإن كافة الخطط تغيّرت لتعتمد على التواصل عبر وسائل التواصل عن بعد”.
أما رضا الدنبوقي، فيؤكد أنه “قبل أزمة كورونا والحجر الصحي، كانت هناك نساء كثيرات يواجهن الحجر القسري من قبل أسرهن، ولكن في السابق كانت هناك قدرة على طلب الحماية أو الخروج لطلب المُساعدة لغياب الزوج في العمل مثلاً، أما الآن فالوضع صعب جداً بالنسبة للسيدات”.
الشرطة: “احنا في ايه ولا في ايه”؟
في منتصف أبريل، على الخط الساخن لـ”مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية” في مصر، اتصلت سيدة تبلغ من العمر ثلاثين عاماً لتشكو من اعتداء زوجها عليها جنسياً ومحاولته اغتصابها، فعندما أخبرته أنها في دورتها الشهرية، قال لها “أريد أن أتأكد” وهجم عليها وقطّع ملابسها.
لم تتمكن هذه السيّدة من تحرير شكوى ضد زوجها. ذهبت يوم الواقعة إلى الشرطة لتحرير محضر لكن العناصر المتواجدين هناك استخفّوا بمعاناتها وقالوا لها: “إحنا في إيه ولا في إيه؟”.
اضطرت السيدة للخروج من مركز الشرطة، وعادت إلى المنزل حيث يوجد زوجها لأن مواردها الاقتصادية محدودة ولديها أطفال لا تستطيع رعايتهم وحدها، وفور وصولها اتصلت بالخط الساخن للجمعية لطلب المشورة.
يقول رضا الدنبوقي: “الجهات الأمنية دوماً لا تبالي بقضايا النساء ودائماً تستخف بمشاكلهن، ولا ترى في العنف الأسري والجنسي ضد النساء جريمة، ولا توجد أخصائيات نفسيات لاستقبالهنّ في أقسام الشرطة ولدعمهنّ والإنصات لهن ولا تُحرَّر محاضر بموجب شكاويهنّ”.
القضاء في الحجز أيضاً
رولا سيدة لبنانية، عمرها 37 عاماً، تزوجت وهي في الـ21 من عمرها، وبدأت المشاكل بينها وبين زوجها منذ عشرة أعوام بسبب إجباره لها على رعاية وخدمة والدته. “ما بتقطع جمعة بلا ما يضربني على أتفه شي”.
صوّرت رولا زوجها بكاميرا الهاتف وهو يضرب أبناءها، وأرسلت الصور إلى برنامج تلفزيوني، ولكنهم أخبروها أنهم لن يستطيعوا تقديم حماية لها، بدون أن تخرج وتحكي قصتها عبر التلفزيون.
رفضت العرض، ولكن بعد فترة، اتصل مقدّم البرنامج بهاتف زوجها وقال له: “إذا ضليت تضرب ولادك هيك، الدرك هيحبسك”. وضع زوجها السكين على رقبتها وهددها وهدد أهلها. تحكي: “كان يضربني بشكل غبي، يضع رأسي في حوض الاستحمام، ويضربه بالحائط”.
نجحت رولا في الخروج من المنزل ولجأت إلى دير واتصلت بأهلها وبقوى الأمن الداخلي، ولكن لم يصلها العون بل وصل زوجها وأخذ الأطفال، وبعد ذلك خسرت حضانة أبنائها “بسبب عدم استطاعتي تأمين المبلغ اللازم لتوكيل محامٍ جيّد”.
لجأت تسنيم إلى “التجمع النسائي الديمقراطي” في لبنان، فوعدوها بتقديم دعوى جديدة ضد زوجها ولكن الحجر الصحي وتوقف المحاكم عن العمل عطّلهم.
القضاء اللبناني حاول احتواء هذه الأزمة من خلال تعميم أصدره مدّعي عام التمييز غسان عويدات، طلب فيه بفتح محاضر فورية بكافة قضايا العنف الأسري، حتى إن وقعت الجريمة من دون شهود، وحتى من دون حضور الضحية إلى المخفر بسبب الحجر الصحي. لكن ذلك لا يعني تقديم حلول لمرحلة ما بعد الشكوى.
ينعكس توقف المحاكم عن العمل سلباً على مساعدة الناجيات من العنف وعلى رفع الظلم عنهنّ. تتحدث انتصار السعيد عن تحدي توقف أنشطة المحاكم في العراق، “كانت هناك أحكام من المفترض أن تصدر لصالح الناجيات من العنف، ولكن تم تأجيل الجلسات إلى أجل غير مسمّى”.
وفي الأردن، تشير سلمى النمس إلى أن من أبرز الاتصالات التي أتت إلينا اتصالات تتعلق بمشاكل الحضانة أثناء الحجر، مثل حالة أم تمتلك الحضانة ولكن الطفل عند الأب، والأخير يرفض إعادته إليها، مطالبةً القضاء الشرعي بالتعامل مع هذه القضايا.
الإيواء كأولويّة قصوى
أين يمكن أن تذهب الناجية من العنف؟ لا تزال شبكات المعارف تلعب أدواراً مهمّة في احتضان بعضهنّ ولكن هذا لا يكفي، فالاتكال على ذلك يشبه الاتكال على الصدفة على أمل أن تكون هذه الصدفة جيّدة. من الضروري أن توجد حلول عامة يمكن أن تنطبق على جميع المحتاجات إلى رعاية، وأساس هذه الحلول توفير الملاجئ الآمنة لأنها المكان الذي يحمي هؤلاء النساء قبل متابعة باقي الإجراءات الممكنة.
في العراق، لا توفّر الحكومة ملاجئ كافية، بل إن السلطة التي “لا تعترف بالمساواة ولا بحقوق المرأة”، بحسب إقبال الأصلان، “رفعت قضيّة على “منظمة حرية المرأة” بحجة إدارتها دور إيواء غير مرخصة وهدّدت بحلّ المنظمة ولا زلنا نعاني من تلك القضية التي تأجلت بسبب فيروس كورونا”.
لا تزال المنظمة تستقبل ناجيات من العنف، وبسبب الخوف من استقبال مصابات بالكورونا، توضع بعض السيدات “في حجر خاص لمدة معينة إلى أن نتأكد من أنهنّ غير مصابات”.
وفي لبنان، تستمر منظمة “أبعاد” بالإشراف على مراكز إيواء ضمن “خطّة الوقاية والحماية للنساء المقيمات”، وتجري فحوصات كورونا للقادمات الجديدات.
تقول مديرة المنظمة غيدا عناني لـ”خطيرة”: “يمكننا حالياً استقبال النساء بحدّ أقصاه عشرين سيّدة، كما أننا نسعى إلى إيجاد مركز إيواء مع خدمة الحجر الصحي للنساء حاملات الفيروس أو المخالطات لمصابين به، وذلك بهدف عدم حجب الخدمة عن أي سيدة تطلب الحماية والدعم”.
ولكن هنالك حاجة إلى المزيد من هذه المراكز، لأن المعنّفة حالياً “تبقى طوال الوقت مع المُعنِّف في المنزل”، كما تقول الناشطة اللبنانية حياة مرشاد، فبعض المتصلات يبلغن بأنهنّ قد يُقتلن وأخريات يقلن: “لا حلّ أمامنا سوى الانتحار”.
وفي الأردن، تشير إنعام العشا إلى أن دور الإيواء الآمنة تقدم الخدمات الإيوائية والتأهيلية، وكل أشكال المتابعة وهي تتبع وزارة التنمية الاجتماعية، مبدية اعتقادها بأن هذه المؤسسات مؤهله وحريصة على متابعة تقديم التدخلات اللازمة لضحايا العنف”.
ولكن سلمى النمس تحذّر: “لا نضمن وصول جميع المُعنفات إلى مراكز الخدمة، لافتةّ إلى أن “دور الإيواء غير قادرة على استيعاب كل الحالات”.
خطوات كثيرة ينبغي اتخاذها لتأمين حماية الناجيات من العنف، في هذه المرحلة الحرجة، ولكن كل هذه الخطوات ليست حلاً شاملاً لأن الحلّ الشامل يتطلب إقرار تشريعات تدعو المنظمات الحقوقية إلى تبنيها في كل الدول العربية.