“سافر قطر من 2017 لـ 2022، حجم الثروة اللي عنده ممكن توصل لمليون جنيه مصري وأنا قاعدة هنا بالولاد، بيجيني كل سنتين أو تلاتة مبحسوش بأي حاجة عشان هو في غربة حرام وتعبان”، بهذهِ الكلماتِ تصِفُ رحاب صالح (كاتبة) الحالةَ التي صنفَتْها كعنفٍ اقتصاديٍ بعدَ أنْ شاركَتْ زوجَها في تكوينِ الثّروةِ التي يمتلِكُها وحدَهُ الآن.
منذُ بداية خطبتِها على زوجِها -الذي تَرفعُ عليهِ قضيةَ خلعٍ حالياً، وهوَ يشتَكي من قلّةِ المواردِ الماليةِ، لتقومَ عائلتُها بتحمُّلِ تكاليفِ الزواجِ والبيتِ بأكملِها، في الوقتِ الذي لمْ تتلقَّ رحاب أياً من التقاليدِ الماديّةِ للزواجِ مثلِ المهرِ أو المؤخَّرِ أو قائمةِ المنقولاتِ التي تُعتَبَرُ في ثقافةِ عائلتِها النوبيةِ الأصلِ “عيباً”. ومعَ ذلك، لمْ يتوقّف الأمرُ بعدَ الزواجِ، حيثُ كانَ زوجُها دائمَ الشكوى من دخلهِ المحدودِ لتتَحملَّ هي وعائلتُها الجزءَ الأكبرَ من مصاريفِ البيتِ والأطفالِ طيلةَ فترةِ الزواج. “سبت الشغل عشان هو طلب إني أسيب الشغل مكانش في خلاص حاجة وكنت معتمدة عالفلوس اللي أبويا وأمي بيدوهاني”، تروي رحاب مضيفةً أنَّهُ طوالَ فترةِ الزواجِ لمْ يتحمَّلْ مسؤوليةَ البيتِ والأطفالِ لا مادياً ولا حتى معنوياً، حيثُ كانَ دائمَ السفرِ بسببِ عملِهِ في مدينةِ أبو سمبل قبلَ أنْ يُغادرَ البلادَ بالكاملِ إلى دولةِ قطر الخليجيّة. وفي هذهِ الأثناءِ اضطّرتْ هيَ أنْ تتحمّلَ مسؤوليةَ البيتِ ورعايةَ الأطفالِ وتعليمَهم بالكامِل.
كذلكَ، تحمّلتْ رحاب مصاريفَ سفرِ زوجِها إلى قطر من حجزِ الطيرانِ والتأشيرةِ وحتى الملابسَ والطعامِ الذي كانَتْ تجفِفُهُ لهُ من مصر منْ أجْلِ توفيرِ المصاريفِ عندَ السفر. في المقابلِ لمْ يكنْ الزوجُ يسألُ عنَّها ولا عنْ أطفالهِ أثناء سفرهِ، لكنَّهُ كانَ يعودُ إلى مصرَ كلَّ عامينِ أو ثلاثةَ في إجازةٍ تتحمَّلُ هي أيضاً فيها مصاريفَ “البيتِ المفتوحِ” للضّيوفِ الذينَ يأتونَ للتّرحيبِ بعودَتِه.
لمْ تشتكِ رحاب طولَ فترةِ الزواجِ، وتحملَّتْ الضغطَ الماديَ والمعنَويَ لِغيابِ الزوجِ والأبِ الذي ظلَّ لسنواتٍ يكنزُ الأموالَ ويكذبُ بشأنِ امتلاكِهِ لها، حتّى علِمَتْ -عن طريقِ الصدفةِ- أنّهُ كوَّنَ ثروةً هائلةً من عملِه في قطر، لم يضَعْ أياً مِنها في البيتِ ولا مصاريفِ رعايةِ الأطفالِ علماً بأنَّ أحدَ الأطفالِ لديهِ مرضٌ مزمِنٌ ورحلةُ علاجِه لا تنتَهي.
لمْ تتمكَّن كذلكَ من استكمالِ دراستِها بسببِ رفضِ زوجِها، “قاللي متكمليش تعليمك أنا كنت لسة في الجامعة أنا هخلص وأخليكي تكملي تعليم. هو خلص ال4 سنين بتوعه وبقى مهندس وجيت أنا عشان أكمل السنة اللي فاضلة لي في تجارة قاللي لأ معييش فلوس”. وبذلكَ، حُرِمَتْ رحاب من فُرَصِها في التّعليمِ والعملِ وحتّى الحياةِ الزوجيةِ الطبيعيةِ، لِتعرِفَ لاحقاً أنَّ زوجَها “مليونيرٌ” في حينِ أنَّ كلَّ ما قدَّمَتْهُ في سبيلِ البيتِ والأطفالِ لمْ يتمَّ احتسابُه في الثّروةِ التي يمتلُكها الزوجُ الآن. وبالتالي، مع اقترابِ الخلعِ الذي قررَّتْ أنهُ السبيلُ الوحيدُ للتخلُّصِ من هذهِ العلاقةِ المؤذيةِ بعدَ رفضِ زوجِها تطليقَها، اضطرتْ أيضاً للتنازلِ عن حُقوقِها الماديةِ لإتمامِ الخلع.
اقتصادٌ غيرُ مرئي
عالمياً، يتمُّ قضاءُ 16.4 مليارَ ساعةٍ في أعمالِ الرّعايةِ غيرِ مدفوعةِ الأجرِ كلَّ يومٍ، بما يُعادلُ 11 تريليونَ دولارٍ أمريكيٍ تقريباً عندَ احتسابِ هذا الوقتِ بالحدِّ الأدنى للأجورِ لكلِّ ساعةٍ على الصّعيدِ الوطنيّ، بحسبِ دراسةٍ أجرَتْها هيئةُ الأممِ المتّحدةِ للمرأةِ عامَ 2020 ، في حينِ تقضي النساءُ والفتياتُ ثلاثةَ أرباعِ هذا الوقتِ غيرِ المأجور. وفي العالمِ العربيِّ، تشيرُ الدراسةُ إلى أنَّ الفجوةَ النوعيّةَ في مجالِ الاقتصادِ الرعائيِ هي الأعلى في العالمِ، حيثُ تؤدي النساءُ أعمالَ رعايةٍ غيرَ مدفوعةِ الأجرِ -التي يُقصَدُ بها تقديمُ رعايةٍ مُباشَرةٍ أو غيرَ مباشرةٍ دونَ أجرٍ داخلَ الأسرةِ- 4.7 مراتٍ أكثرَ من الرجل.
أما في مصرَ، فتُشيرُ الدراسةُ إلى أنَّ المرأةَ المُتزوجةَ تقضي سبعة أضعافِ الوقتِ الذي يقضيهِ الرجلُ المتزوّجُ في أعمالِ الرعايةِ غيرَ مدفوعةَ الأجرِ، بينَما غيرُ المتزوّجاتِ يقضِينَ 6.5 أضعافِ ما يقضيهِ الرجالُ غيرَ المتزوجين.

مصدر الصورة: دراسة “دور اقتصاد الرعاية في تعزيز المساواة المبنيّة على النوع الاجتماعي”- موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
سكرتيرةٌ بالمجان
في الوقتِ الذي تمكَّنَتْ فيهِ رحاب من اللجوءِ لمسارِ الخَلعِ للانفصالِ عن زوجِها، لم تستِطعْ مي فوزي*، مدرّبةُ التنميةِ السياسيةِ، القيامَ بالعملِ نفسِه، حيثُ تُداهِمُها أفكارٌ وتساؤلاتٌ حولَّ الشقِّ الماديِّ في حالِ الانفصالِ، خاصةً أنَّهُ ليسَ لديها وظيفةٌ مستقِرةٌ الآنَ وبالتالي يُشكّلُ ذلكَ عبئاً إضافيّاً عليها.
تشاركُ مي في منزلِ الزوجيةِ ليسَ فقط برعايةِ الأطفالِ واحتياجاتِهم، بل وماديّاً كذلك. “بدفع كل دخلي لما بيكون في دخل لإني كنت متصورة أننا واحد”، تروي مي مُضيفةً أنَّ زوجَها عادةً لا يتركُ مالاً في المنزلِ، فتضطرُّ هيَ إلى استخدامِ مالِها الخاصِّ لتسديدِ مصاريفِ البيتِ والأطفالِ حتّى ينتهي ما لدَيها فتبدأَ بسؤالِه عن مالٍ إضافيٍ لتكمِلةِ المصروفاتِ، أي أنَّ البيتَ يعتَمدُ بالأساسِ على دخلِها هيَ وليسَ الزوج.
كذلكَ -وبسببِ ضغطِ الأعباءِ المنزليةِ- تلجأُ مي في بعضِ الأحيانِ إلى استقدامِ مساعَدةٍ، لكنَّ ذلكَ يتوقَّفُ على إنْ كانَ دخلُها الماديُّ في ذلكَ الوقتِ يسمحُ باللجوءِ إلى مساعَدةٍ خارجيةٍ أمْ لا، ذلكَ لأنَّ الزوجَ يرفضُ أيضاً المشاركةَ في الأعمالِ المنزليةِ أو حتّى وجودِ مساعَدةٍ خارجيةٍ لذلك.
“الأطفال بقوا عايزين سكرتيرة”، تقولُ مي، “شغل البيت مش بس تنظيف و لا طبخ و لا مذاكرة للأطفال” الذينَ يتطلَّبونَ كذلكَ تنسيقاً بين الواجباتِ الدراسيّةِ ومواعيدِ الدُروسِ وغيرِها من أعمالِ رعايةِ الأطفالِ التي تستَغرِقُ ساعاتٍ طويلةً حيثَ باتَ “معظم اليوم ليهم”، بحسبِها.
وفي حينِ أنَّ مي تُخصِّصُ معظمَ وقتِها لرعايةِ الأطفالِ، الذي لم تتلقَّ عليهِ مُقابلاً قطّ، في هذهِ الأثناءِ كانَ الزوجُ يعملُ خارجَ المنزلِ بعملٍ مأجورٍ من خلالِه باتَ يمتلكُ ثروةً ماليةً تقدَّرُ بالملايين. وبالرَّغمِ من أنّها تزوجَّتْه في وقتٍ لمْ يمتلكْ فيهِ سِوى سيارةٍ من فئةِ 128، إلّا أنَّه الآنَ باتَ يمتلِكُ سيارَّتَينِ إحداهُما من فئةِ المرسيدس “أحدثِ موديل”. وفي الوقتِ نفسِه يبخلُ على زوجتِه حتىّ بقيادةِ السّيارةِ بحجةِ أنَّهُ يخشَى عليها من الخَطر. كما أنَّهُما تزوّجا في بيتِ إيجارٍ، لكنَّهُ الآنَ يمتلكُ المنزلَ الذي سدّدَ تكلفتَه بالكامل. “معرفش مرتبه و لا ذمته المالية بس أقسم أنه أكيد كون ما لم يكن معه من قبل جوازنا”، تقول مي مضيفة “أنا حسابي صفر و عليا مصاريف إدارية و هو معاه تقريبا 5 مليون جنيه”.
الفرصةُ البديلة
تشيرُ دراسةُ الأممِ المتّحدةِ إلى أنَّ الوقتَ الذي تقضيهِ النساءُ في أعمالِ الرعايةِ غيرِ المدفوعةِ في مصرَ، لا يختلفُ كثيراً عن الوقتِ الذي يقضينَهُ في حالِ توظيفِهنَّ بأجرٍ، فبينما أمضَتْ النساءُ العاملاتُ أربعاً وثلاثين ساعةً أسبوعياً في عملٍ مدفوعِ الأجرِ عامَ 2006، قضَتْ النساءُ غيرُ العاملاتِ ثلاثٌ وثلاثينَ ساعةً أسبوعياً في قطّاعِ الرعايةِ غيرِ المدفوعة. وفي حالِ كانتْ المرأةُ متزوجةً فإنها تقضي ساعاتٍ أطولَ في العملِ داخلَ وخارجَ المنزلِ، نظراً لأنَّ أعمالَ الرّعايةِ هيَ “قيدٌ صارمٌ” على النساء.

مصدر الصورة: دراسة “دَور اقتصاد الرعاية في تعزيز المساواة المبنيّة على النوع الاجتماعي”- موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وبالتّالي، يمكنُ احتسابُ ما تخسرُه المرأةُ من مالٍ في مقابلِ العملِ لساعاتٍ طويلةٍ في قطاعِ الرعايةِ غيرِ المدفوعةِ، فيما يُعرَفُ بـ”تكلفَةِ الفرصةِ البديلةِ”، التي تشيرُ إلى حرمانِ النّساءِ من حقِّهِنَّ في أعمالٍ مدفوعةٍ نظراً لقضائِهِنَّ الوقتَ نفسَهُ في أعمالٍ رعائيةٍ بلا مُقابل.
بيدِ أنَّ النساءَ غيرُ مرئياتٍ اقتصادياً ولا يتمُ احتسابُ عملِهِنَّ غيرِ المدفوعِ ضمنَ إجمالي الناتجِ القوميِّ، وهو ما تسوِّقُهُ الكاتبةُ كاترين ماركيل في كتابِها “مَن قامَ بطهي عشاءِ آدم سميث؟” لأنَّ الاقتصاديينَ في العالمِ لا يرَون أنَّ ما تفعلُهُ النساءُ مهمٌ بالنسبةِ للاقتصادِ ولا للنمو. لكنَّ أحداً “لم يكلّفْ نفسَهُ مشقَّةَ تحديدِ الأعمالِ المنزليةِ تحديداً كمياً” حتى يتمَّ احتسابُها ضمنَ الناتجِ المَحلّي الإجمالي، في حينِ تتراوحُ قيمةُ العملِ غيرِ مدفوعِ الأجرِ، وِفقَ ما تسوّقُه في كتابِها عن وكالةِ الإحصاءِ الوطنيةِ الكنديةِ BNP، بينَ 30.6 و41.4٪ من إجماليِّ الناتجِ المحلي.
لذلكَ، ترى مي أنَّها شريكةٌ في الثروةِ التي تمَّ تكوينُها خلالَ فترةِ زواجِها، لأنَّ غيابَ زوجِها -ماديّاً ومعنويّاً- هو ما اضطرَها إلى قضاءِ معظمِ وقتِها في إدارةِ المنزلِ ورعايةِ الأطفالِ دونَ أجر. وبالتّالي لولا وجودُها في حياتِه بصيغةِ علاقتِهما الحاليةِ، لم يكنْ ليتوفّرُ لهُ مسارٌ مُناسبٌ لتكوينِ الثروةِ التي يمتلكُها في الوقتِ الحالي، فضلاً عن تكوينِ أسرةٍ تتحمَّلُ هيَ عبْئَها ويُنسَبُ لهُ هوَ الفضلُ فيها في النهاية. لكنَّ الواقعَ يقولُ أنَّ حسابَها البنكيَّ ما زالَ صفراً في مقابلِ حسابِ زوجِها الذي يحتوي على العديدِ منَ الأصفار.
تُعلِّقُ مديرةُ برنامجِ الوصولِ للعدالةِ بمؤسَّسةِ قضايا المرأةِ المصريّةِ، جواهر الطاهر، بأنَّ المشكلاتِ والصعوباتِ التي تواجِهُها النساءُ بعد انفصالهنَّ عن أزواجهنَّ بعدَ رحلةِ عمرٍ ليستْ بقصيرةٍ، هيَ أحدُ الأسبابِ المفصليةِ التي تستَوجِبُ المطالبةَ بتقاسُمِ العائدِ المشتَركِ بينِ الزوجينِ بعدَ الانفصال. ومن واقعِ خبرتِها العمليةِ في مُتابعةِ الحالاتِ التي تلجأ إلى المؤسسةِ، هناكَ الكثيرُ من النساءِ اللواتي أضعْنَ سنواتِ عمرِهنَّ على صرفِ مواردهنَّ الماليةِ في احتياجاتِ بيوتِهنَّ، وفي حالةِ الطلاقِ لم يتمكنَّ من إثباتِ حقِهنَّ في المنزلِ أو السيارةِ أو أية ممتلكاتٍ تم شراؤها أثناءَ الزواج.
منذُ أكثرَ من خمسةِ عشرَ عاماً ومؤسسةُ قضايا المرأةِ المصريةِ تُنادي بضرورةِ تقاسُمِ العائدِ المُشتَركِ بينَ الزوجين، حيثُ قامت المؤسسةُ بإعدادِ مشروعِ قانونٍ للأحوالِ الشخصيةِ، والذي تبنَّتْهُ النائبةُ البرلمانيةُ نشوى الديب في أوائلِ العامِ 2022، والذي يَطرحُ لأولِّ مرةٍ مبدأَ تقاسُمِ العائِدِ المُشتَرَكِ في القوانينِ المصرية. ويتضمَّنُ مشروعُ القانونِ مادةً خاصةً تنصُّ على أنَّهُ”يجوزُ الاتّفاقُ في وثيقةِ الزواجِ بينَ الزوجينِ على اقتسامِ ما تمَّ تكوينُهُ من عائدٍ ماديٍ في شكلِ ادخارٍ أو ممتلكاتٍ أثناءَ رابطةِ الزوجيّةِ لكلٍّ منَ الزوجينِ، وذلكَ في حالةِ الطلاقِ والذي منَ الممكنِ أنْ يكونَ مُناصفةً أو على شكلِ نسبةٍ يتمُ تحديدُها بالاتّفاقِ المُسبَقِ بينَ الزوجينِ..” إلى آخرِ المادة.
مفاهيمٌ مغلوطة
تُخبرُنا جواهر أنَّ الفقرةَ المتَعلِقةَ بتقسيمِ الثروةِ بينَ الزوجينِ في حالةِ الطلاقِ كانتْ على شكلِ صيغةٍ إلزاميةٍ، إلا أنّهُ من خلالِ مُناقشةِ مشروعِ القانونِ في محافظاتِ مصرَ ومعَ فئاتٍ مختلفةٍ من المصريين والمصرياتِ تمَّ الاعتراضُ بشدةٍ على هذهِ المادةِ، لذلكَ تمَّ الاقتراحُ بوضعِها كشرطٍ اختياريٍ في وثيقةِ الزواجِ مع تحديدِ نِسَبِ التقسيمِ بينَ الزوجينِ، وهو ما تمَّ بالفعلِ في الصيغةِ النهائيةِ للمشروعِ الذي قُدِّمَ للبرلمانِ والذي بصدَدِ المُناقشةِ في اللجنةِ التشريعيةِ بعدَ أن حصلَ بالفعلِ على ستينَ توقيعاً من عضواتِ وأعضاءِ المجلس.
لسنواتٍ طويلةٍ ظلتْ هناكَ مفاهيمٌ مغلوطةٌ حول مبدأِ تقسيمِ الثروةِ الذي ينتَشِرُ في دولِ الغربِ، حيثُ ما زالَ يظنُّ الكثيراتُ/ونَ أنّهُ في حالةِ الطلاقِ تحصُلُ الزوجةُ على نصفِ ثروةِ زوجِها، كما يتمُّ الترويجُ لهُ في الكثيرِ من وسائلِ الإعلامِ والأعمالِ الفنيّة. وتوضح أمنية فراج (27 عاماً) أنَّ أغلبَ الكلامِ الذي يتمُّ ترويجُه عارٍ تماماً من الصّحةِ، فما يحدُثُ بالفعلِ هو أنّهُ يتمُّ تقسيمُ الثروةِ بينَ الطرفينِ في حالةِ الطّلاقِ، وهو ما تعرِفُه نظراً لزواجِها من إنجليزيٍ وفقاً للقوانينِ الإنجليزية.
“اللي بيتم اقتسامه هو اللي كسبناه فترة جوازنا. ده منطلق من مبدأ أنا بقبض أكتر من شريكي فده معناه إني كنت بشتغل ساعات أكتر فطبيعي الشريك التاني كان شايل مسؤوليات أسرية أكتر”، توضّحُ أمنية، “حتى لو بنجيب حد بيساعد في البيت فعلى الأقل تربية الأطفال بيبقى بالضرورة الطرف اللي بيشتغل عدد ساعات أقل هو اللي بيعملها”. لذلكَ تعتقدُ أمنية أنّهُ في حالةِ الانفصالِ من الزواجِ -الذي يقومُ على الشّراكةِ في كلِ شيءٍ بالأساسِ- منَ المنطقيِّ أنَّ الطرفَ الذي كانَ يبذلُ مجهوداً أكبرَ في استمرارِ الشراكةِ هذهِ سواءٌ أكانَ إدارةَ البيتِ أو تربيةَ الأطفالِ، وبالتّالي يعملُ خارجَ المنزلِ لعددِ ساعاتٍ أقلَّ حتّى يتمكّنَ الطرفُ الآخرُ من العملِ لساعاتٍ أطولَ أو ليضعَ المجهودَ الأكبرَ في وظيفتِهِ خارجَ البيتِ، فإنَّ تقاسُمَ العوائدِ الماليةِ المُكتَسَبَةِ يُحقِّقُ نوعاً من العدلِ للطرفين. وذلكَ بغضِّ النظرِ عن أيٍ من الطرفينِ يعملُ خارجَ أو داخلَ المنزلِ، وبالتّالي بغضِّ النظرِ عن أيٍ من الطرفينِ يُحقّقُ ربحاً مالياً أكبر. وتُتابعُ “اللي بيشتغل شغل أقل، المرتبات بتبقى أقل بغض النظر عن راجل أو ست. لو أنا الست اللي الكارير بتاعي محطوط أولوية وبسافر أكتر ومرتبي ضعف جوزي وفي المقابل جوزي مقلل كثافة شغله عشان يعرف يدير البيت فلما نيجي نتطلق اللي أنا اكتسبته الزيادة هينتصفه معايا”. لكنْ ما يتمُّ ترويجُهُ في المقابلِ هوَ أنَّ المرأةَ تحصُلُ على نصفِ ثروةِ زوجِها في الغرْبِ بعد الطّلاقِ وذلكَ ليسَ صحيحاً بالمرّةِ، بحسبِها.
في السّياقِ ذاتِه، ترى مسؤولةُ برنامجِ الوصولِ للعدالةِ أنَّ مبدأَ الثروةِ المُشتركَةِ هوَ مَطلبٌ عادلٌ من شأنِه أنْ يرفعَ الظُلمَ عن العديدِ من النّساءِ، ويضمنَ لهُنَّ تعويضاً عمّا قدَّمْنَهُ من مالٍ أو جُهدٍ أو عَمَلٍ سواءٌ خارجَ البيتِ أو داخلَه، و ساهَمَ في تكوينِ تلكَ العوائد.
أمّا مي، فكثيراً ما تفكّرُ في الطلاقِ من زوجِها، لكنَّها تنشغلُ أيضاً بالكثيرِ من المعوّقاتِ التي تَحولُ دونَ هذا القرارِ، وعلى رأسِها الأمانُ الماديُّ الذي تفتَقِدُهُ، “خايفة اتبهدل، خايفة الأولاد يسيبوني علشان فلوس أبوهم”. بالإضافةِ إلى خوفِها من عَدَمِ دعْمِ عائلَتِها التي تقفُ في صفِّ الزوجِ وتشجِّعُهُ دائماً على حسابِها. “خايفة إني معرفش أعيش لإني حالياً عايشة كويس بالنسبة لغياب دخل مستقر متاح”.
(*) اسمٌ مستعارٌ بناءً على طلبِ المصدر.