
بعد انقضاء أيام على الحجر الصحي، تضاءل انشغالي بنفسي، راح الإحساس بحجر النساء الأخريات اللواتي أعرفهنّ يكبر في داخلي.
رويداً رويداً اتسعت رقعة القلق، وباتت تغطي نساءً لا يعددن ويحصين، أمضين حياتهنّ حبيسات المنازل، فقط لأنهنّ ولدن إناثاً.
صديقات كثيرات تلاشين من ساحة اللعب خارج المنزل مع بداية بلوغنا، وتغيّر أجسامنا.
وأنا أيضاً، هجرت اللعب، وصارت مشاويري تقتصر على زيارة السوق مع أمي، أو الوقوف أمام باب البناية، للتفرج على أخي، وصبيان آخرين، يلعبون كل أنواع الألعاب التي كنا نتشاركها. لم يعد لي أي صديقات. ومضت السنوات.
أفكر الآن بقريبتي سارة. سنوات وأنا أزورهم وأشعر بالشفقة عليها، ولم أجد سبيلاً لمساعدتها للخروج من حجرها.
أولياء أمرها أنفسهم لا يعرفون بشكل واع، لم تركوا هذه المراهقة حبيسة المنزل، لسنوات؟
لا تذهب إلا إلى المدرسة، وكل درجاتها سيئة ما يزيد من مسوغات حجرها الدائم. لا أحد يساعدها بالبحث على أسباب فشلها الحقيقية، أو يفكر بها.
السنة الماضية وجدت سارة سبيلها الوحيد للخروج من ذلك الحجر الأزلي، فتزوجت لتنتقل إلى حجر آخر.
تزوجت سارة رجلاً يكبرها بخمسة عشر عاماً. إنها الآن حامل بالشهر الثامن، ولم تبلغ السادسة عشرة من عمرها بعد.
كتبت هذا الفيلم وأنا أفكر بعينَيْ سارة تنظران إليّ عند زيارتهم. كنت أسأل نفسي بماذا تفكر؟ كتبته وأنا أفكر بغير سارة من فتيات حبيسات منازلهن، التي بدل أن تكون مساحات للراحة والأمان في حياتنا، تصير أحياناً سجوناً أبدية.
أحلم، تجربة فيلم قصير، نفذت خلال الحجر الصحي المزامن لعدوى كورونا. العمل من كتابة وأداء زهراء غندور (العراق)، وتصوير ومونتاج طارق تركي (العراق)، وإخراجهما، موسيقى كولن جويس (الولايات المتحدة)، وتصميم سارة جوكلي (العراق).
يوثّق الفيلم بطريقة فنية حجر النساء الأزلي في مجتمعنا العراقي، وغيره من المجتمعات التي تضطهد النساء، وتسلبهن أبسط حقوقهن، حق الخروج من المنزل بحرية.