منذ بداية الحجر الصحي على مستوى العالم، في مارس 2020، شهدت المعارض الكبرى حول العالم ارتفاعاً كبيراً في الإقبال على جولاتها الافتراضية.
زاد الإقبال في بعض الحالات عن 700 بالمئة عما كان عليه قبل الوباء، كما في حال متحف كورتلاند البريطاني للعروض الافتراضية.
خلال السنوات القليلة الماضية، تحوّل انستغرام إلى متحف للفنانات والفنانين العرب، ينشرون عليه أعمالهم. وخلال فترة الحجر الصحّي، كانت الحسابات الخاصة بفنانات عربيات سنداً لكثر، خصوصاً أن معظمهن اخترن التعبير عن يومياتهن في ظلّ العزلة القسرية.
كيف نفهم التجربة الفنية الجديدة في ظل العزلة، وفي غياب التواصل بين الفنان والجمهور؟ أليس الإبداع الفنّي حالة من العزلة والوحدة أساساً؟ لكن ما الذي يبقى منه إن لم يعرض؟ وهل ما زال “العرض” يعني تعليق لوحة على حائط فقط؟
“خطيرة” تحدثت مع مجموعة من الفنانات العربيات، اللواتي اخترن مواقع التواصل منصّة للتعبير عن أنفسهنّ في ظلّ الحجر الصحّي.
حياة حسن، 26 عاماً، البحرين
تعمل حياة في مجال التسويق. الكومكس، أو القصص المصوّرة، هي ملاذها الفني للتعبير عن نفسها. تتناول أعمال حياة مواضيع حميمة، أبرزها الجسد الأنثوي، بقوالب وتقنيات بسيطة.
تقول إن فترة الحجر الصحّي أعطتها الكثير من الوقت لتقضيه مع نفسها، لكنّ الأمر يكون صعباً في بعض الأحيان، “كأننا ننتظر شيئاً لكننا ما لا نعرف ما هو بالضبط”.
تقول حياة: “في الحجر تحدث الجميع عن قراءة الكتب أو الرياضة أو تطوير الذات عموماً، وساد خوف المبالغ به وغير مبرر من زيادة الوزن. لم يتحدث أحد عن التفاصيل التي نعيشها في غرفنا بصدق وشفافية”.
تضيف: “أردت أن أقول في اليوميات التي رسمتها، أن المرأة تمتلك علاقة بجسدها، وأنّها قد تمضي ساعات تكتشفه منفردة، وتصل إلى النشوة”. وقد نشرت هذه اليوميات على موقع جيم.



إشراق بوزيدي، 31 عاماً، المغرب
تعيش إشراق في دبي منذ خمس سنوات. درست العمارة، وتعمل في مجال الفنّ بدوام كامل، منذ عامين. تتلاعب بتفاصيل الحياة اليومية، لتخرج بأعمال سريالية وبسيطة في آن، مستخدمة الرسم، والنحت، والفنون الرقمية.
اشتغلت منذ بداية الحجر على عدد من الأعمال، تبرز فيها قدرتنا الهائلة على التكيف والتي سمحت لنا التأقلم مع الواقع الجديد.
تقول: “كان الفنّ طوال هذه الفترة، وسيلة مهمّة جداً لكي أختلي بنفسي، وأحاول أن أفهم ما يحصل، وأحيانا لأهرب من الواقع. يساعدني الفنّ للتعبير عن مشاعر يصعب عليّ التعبير عنها بالكلمات”.
من اليوميات التي رسمتها في الحجر، عمل بعنوان “قريبون مهما ابتعدت المسافات”. تقول: “أردت التعبير عن أثر التباعد الاجتماعي على ثقافتنا الشعبية. الشاي المغربي على سبيل المثال، لطالما كان تقليداً أساسياً حاضراً في حياتنا على مدى قرون، لكن تغيّر ذلك في فترة الحجر الصحّي”.

شهد ناظر، 24 عاماً، السعودية ومصر
تقول: “الوضع صعب جداً بالنسبة للكثير من الناس. فتحت هذه التجربة عيناي على كمية الأمور التي نتعامل معها بدون تفكير أو امتنان، هناك جانب إيجابي في كل ما حصل، وهو ما أحاول التعبير عنه في أعمالي”.
تعمل شهد بدوام حر في مجال التصميم الغرافيكي. تجد الكولاج، أو الفن التجميعي، الوسيلة الأفضل للتعبير عن نفسها. في أعمالها الكثير من الخيال والقوة والأحلام. رغم صعوبة المرحلة تحاول أن تتعامل معها بإيجابية قدر المستطاع.
في أعمال شهد حساسية خاصة تجاه مواضيع الصحّة النفسية، والحاج للتكاتف والتضامن في الأوقات الصعبة. تعود إلى التقاليد والصور الأرشيفية، لتخلق عالماً رقيماً، مليئاً بالكواكب والأزياء التقليدية. تختفي الوجوه لتحلّ مكانها الفراشات، والأزهار، والأجنحة.

سارة أحمد، 28 عاماً، الإمارات
قبل كورونا، كانت سارة تحرص على ألا تتقاطع حياتها الفنية مع حياتها العملية. الآن، بات العالمان متصلين بحدّة.
تعمل سارة في مجال أمن المعلومات والشبكات، ما يحتم عليها اللقاء مع أشخاص كثر، وتلقي عدد كبير من المكالمات والرسائل الالكترونية.
في السابق، كانت تترك العمل خارج غرفتها، تقفل الباب، وتتجه إلى المساحة التي خصصتها لفنّها. لكن مكان الابداع بات الآن مكاناً للعمل أيضاً، ما يربكها كثيراً.
عبر حسابها على إنستغرام، تنشر مقتطفات من يومياته. نصوص قصيرة، مع رسوم تطغى عليها الألوان والخطوط البسيطة. تقول سارة: “بعد ثلاثة أشهر من عدم التعاطي مع الناس والتفاعل معهم، اكتشفت كم اشتاق إليهم. أفتقد للمحادثات البسيطة وللعلاقات الإنسانية لأنها مصدر إلهام وتعلّم وأمل. افتقد كلّ التفاصيل البسيطة. واشتقت للتمر والشاي في المكتب”.



نجد محمد، 17 عاماً، عمان
لم يمنعها صغر سنها من احتراف الفن بشكل جدّي، والعمل على تطوير أدواتها، خاصة في التصوير الفوتوغرافي. وجدت نجد أنّ هذه الفترة ساعدتها للتقرب من ذاتها أكثر وأعطت لها الوقت لكسب وتعلم المزيد من المهارات في المجال الفني.
تقول: “اكتشفت أن شعور الملل، شعور رائع، ولو لفترة قصيرة من الزمن. لأنّه يدفع الإنسان للإنجاز، وهذا ما اختبرته”. تضيف: “أنجزت عملاً خلال فترة الحجر، وأسميته “بنت النور”. صورت فتاةً بالرداء العماني التقليدي باللون الأخضر تمسك النور بيدها، كتعبير عن الأصالة”.
في واحد من أحدث أعمالها، تصوّر نجد طفلاً تعصب كمامة طبية وجهه بالكامل، مرفقة بعبارة “الزموا المنزل”. كأنّها تمزج بين الحاجة الصحيّة للعزل والوقاية، وبين ما خلّفه الوباء في النفوس من اختناق، عدم القدرة على التآلف مع أدواته الوقائية
