كنت في التاسعة والعشرين من عمري وحاملاً بطفلي الأول. عندما علمت أنني حامل ببنت لم أستطع تفسير مزيج المشاعر المتناقضة ما بين الحب والقلق. أدرك الآن بعد أحد عشر عاماً أنني رأيت في صغيرتي ماضي وحاضري ومستقبلي. كيف أحمي شعلتها من عالم ينظر إلى النساء المفعمات بالحيوية على أنهنّ “أكثر من اللازم”؟ كيف يمكنني مساعدتها على التمسك بطبيعتها الحرة عندما يتم تربية الفتيات ليلائمن التركيبات الضيقة لمعايير الجمال والحدود “الأخلاقية”؟ كيف يمكنني مساعدتها على تنمية حبها العميق لذاتها وحقيقتها في عالمٍ يتوقع من النساء أن يكنَّ مخلصاتٍ لكل شيء ما عدا أنفسهن؟
بعد أحد عشر عامٍ، أواجه هذه الأسئلة يومياً عندما أنظر إلى صغيرتي وهي تخطو خطواتها الأولى لتصبح امرأة شابة. وفي كل يوم، أبحث عن طرق لدرء حدود التوقعات والمعايير والأعراف التي تطوقها وتطوقني.
كان العام الماضي عاماً مهماً لفتاتي الصغيرة. أجدها تنحني للأمام لإخفاء صدرها الذي بدأ يبرز، بينما يسلك جسدها طريقه من الطفولة إلى المراهقة. تلك طريقتها في إخبار العالم أنها تريد التشبث بطفولتها لفترة أطول قليلاً. هذا يجعلني أفكر في مدى خذلاننا للفتيات الصغيرات عندما جعلنا شيئاً بسيطاً مثل نمو الأعضاء يمثل نهاية لطفولة لا تزال موجودة إلى حد كبير. توقَّفتْ صغيرتي عن ارتداء القمصان البيضاء لأنها “فاضحة” بشكل كبير، على الرغم من عدم وجود الكثير من معالم أنوثتها ليتم الكشف عنها بعد. ولكن في سن الحادية عشرة، تدرك صغيرتي بشكل عفوي انشغالاتنا الجنسية المفرطة بأجساد الفتيات والنساء. اقترحتُ عليها أن ترتدي حمالة صدرٍ رياضيّة، لكنها أخبرَتني أنها تشعر بعدم الارتياحِ فيها، وكأنها لا تستطيع التنفس، و كأن هناك ما يخنُقها. قالت لي أنها لا تحب أن تَظهر حمالةُ الصدر تحت ملابسها، كي لا تكون دلالةً أن لديها ما تخفيه. أتعجب من إدراكها العميق لكلِّ الأفكار الحمقاء التي تطوقنا كنساء في أجسادنا وأقول لنفسي أنني سأخبرها يوماً الكثير عن التّاريخ السياسي لحمالة الصَّدر، وكيف أنها حكمت أجسادنا لفترة طويلة، وسأحكي لها عن جدتي الفلسطينية التي لم ترتديها قط، ومع ذلك قامت بزراعة أرضها بكل كرامة وفخر.
لكن في العام الماضي كانت صراعات صغيرتي تتعدى ساحات جسدها الذي يكبر والملابس التي تقيّد حركتها. مع انتقالها من الصّف الرابّع إلى الصّف الخامس في العامِ الماضي، كانت تعود من المدرسة على غير عادة شخصيتها المرحة. في نهايةِ المطافِ، أخبرَتني كيف تغيرتْ آليات الصداقة في عامِها الأخير. أخبرَتني أن الصِّبية يتواصلون مع بعضهم فقط ولا يتحدّثون كثيرًا مع الفتيات، وأنَّ هُناك المزيد من “الدراما” بين الفتيات. في نفس العام اختبرتْ صغيرتي لقاءَها الأول مع التّنافس بين الفتيات، والذي تمحورَ حول كسب ودّ صبي. منذ ذلك الوقت بدأتْ تنظر في المرآة كثيرًا. بدأتْ بمراقبة نظامها الغذائي وسأَلتني إذا كان بإمكانها إزالة شعرِ جسدها بالشّمع. حدث كل هذا بين عشيّةٍ وضحاها، مما جعلني أدرك مدى الإرباك والضغوط التي تواجهها وهي التي لا تزال طفلة.
أخبرت صغيرتي أننا كفتياتٍ صغيراتٍ ونساء، يتم تأهيلنا اجتماعياً للتنافس ضد بعضنا البعض، وكم أنَّ تلك التصرفات خاطئة ومدمرة. أخبرتها أنه يمكننا كسر الحلقة برفع شأنِ بعضنا البعض وأنها ستدركُ في النهاية أن الصبية يأتون ويذهبون ، لكنّ الأصدقاءَ المقربين باقون إلى الأبد. وعندما تحدثتُ معها عن معايير الجمال، ردَّتْ علي وقالت: “أمي ، امتياز كونِك جميلةً كفتاة حقيقي”. عندما أخبرتها عن مدى إيلام عملية إزالة الشعر بالشّمع، أجابَت: “الجمال يتطلبُ الألم”. ها هي صغيرتي، بعمر أحدَ عشرَعامًا ، تواجهُ رياح النظام الأَبويّ العاتية، تمامًا كما فعلت في سنِّها و ما زلتُ أفعلُ الآن في الأربعين منَ العمر..
وفي مواجهةِ هذه الرياحِ، أدركُ أنني لا أستطيعُ حمايتَها منها. عليها أنْ تواجه الحدودَ والقيود والضوابط والمعايير الحمقاء. لا يسَعُني أن أقدم لها سوى نفسي، ويدي لِتُمسك بها بينما تشقُّ هي طريقَها كامرأةٍ شابةٍ في حاضرنا. سأروي لها قصصاً وأحدثها عن الحاضر والمستقبل الذي بين يديها لتشكِّله كما شاءتْ. سأقطع وعداً لصغيرتي بأنني سأدعمُها و أرفع من شأنها دائماً. ولكني أدرك تماماً بأن الأهم من هذا كله هو أن أقوم أنا بفعل كل ذلك لنفسي أولاً، لأن صغيرتي ترى فيَّ ماضيها و حاضرها و مستقبلها، مثلي تماماً.