من الصعب أن تشاهد فيلما عربيا يعالج معظم القضايا النسوية في آن معا دون أن تظهر المعالجة مبتورة بسبب تزاحم الأحداث في القصة، إلا أن الأمر يبدو مختلفا عن تتابع فيلم ” بنات عبد الرحمن” الذي تتداخل القضايا فيه كنسيج من خيوط الصوف على يد حائك ماهر ليصنع رداءً مبهرا متجانس الألوان .
أربع أخوات، أربع حيوات متناقضة
الفيلم يعرض أربعة نماذج للنساء من الطبقة المتوسطة، الأخوات الأربع التي وجدت كل منهن نفسها في قالب تتمسك فيه وتدافع عنه حتى وإن لم يكن باختيارها.
أمال الأخت الكبرى المنقّبة التي تمثل الصورة التقليدية للمرأة المتدينة في المجتمع العربي، تزوجت صغيرة من رجل معنف وبدلا من التمرد على حياتها تنصهر فيها بشكل كامل وتتمسك بالقوانين التي وضعها زوجها، وإن كانت مضطرة لتبيع الطعام لتعيل نفسها وأولادها أيضا، فإن عملها لا يقلل من سلطة الزوج الذي يطبق على نفس العائلة ويحول حياتها لجحيم يومي .
زينب، الفتاة العزباء التي يطلق عليها لقب “عانس” تجد نفسها مضطرة للعيش لخدمة والدها والتخلي عن أحلامها، كما تلبس رداء المرأة المطيعة التي ترغب بالحصول على رضا الأهل والجيران لتفادي سياط نقدهم و مراقبتهم، تعاني من الحرمان العاطفي والقهر من محيطها الذي لا يأبه لتضحياتها الجسيمة .
سماح، صاحبة اللسان السليط، متزوجة من رجل غني، تتمحور حياتها حوله وحول مغامراته العاطفية، تمثل سماح طبقة من النساء البائسات التي تكتفي بوجود المعيل وتضحي بالسعادة من أجل الحفاظ على الصورة الإجتماعية والحياة المرفهة .
أما ختام، وللاسم دلالة، إذ عادة ما يسمي الأهل ختام للبنت التي تولد بعد إنجاب عدة بنات، ويراد بالاسم أن تكون الفتاة هي الخاتمة بعد أن اكتفت العائلة من البنات. اختارت ختام أن تخرج عن تقاليد العائلة وتسافر إلى دبي وتعيش مع رجل بلا زواج، وهذا ما وضع العائلة في موضع العار أمام الأهل والجيران .
الأخوات الأربعة التي فرّقت أساليب الحياة والمعتقدات بينهن، يجدن أنفسهن مضطرات للاجتماع في بيت واحد على خلفية اختفاء الأب “عبد الرحمن”المفاجئ الذي يعاني من مضاعفات الكبر في العمر والنسيان، لتظهر الاختلافات جلية في التفاصيل اليومية والعادات، فتدخين سماح لسيجارة أثناء القيادة كان كافيا لإشعال حرب تقودها أمال، المرأة المتدنية الملتزمة، التي نكتشف في سياق الفيلم أنها مدخنة أيضا لكن بالسر.
هذا الفصام الذي تعاني منه أمال واحد من أهم المحاور الذي أراد الفيلم إظهارها، المجتمع كله يعاني من الإزدواجية، يدعي المثالية ويلبس أقنعة لا تشبهه، يجلد من يخطئ بالعلن بينما تفوح رائحة النتانة من الأسرارالمخفية، مجتمع يراقب فيه كل فرد للآخر، بينما الرقابة الذاتية تعاني من حالة موت سريري.
لحظة الحقيقة
تنقلب الموازين عندما تعترف أمال بنية زوجها تزويج ابنتها القاصر، لحظة مكاشفة تضع فيها كل أخت اختلافاتها جانبا، فيتحدن لإنقاذ الفتاة من زيجة ستدمر حياتها، المغامرة غير محسوبة العواقب تجمع الأخوات تحت سقف واحد ضد عدو واحد، حيث تتشكل علاقات جديدة قائمة على أبعاد إنسانية جامعة وبعيدة عن مفاهيم المعتقدات والعادات والتقاليد.
استطاع الفيلم أن يسلط الضوء على قضايا نسوية مختلفة بانسيابية بالغة، فالعنف ضد المرأة مرتبط بزواج القاصرات وبالتدين الظاهري وازدواجية المجتمع وانعدام المساواة بين الجنسين، وكل هذه القضايا أظهرها فيلم بنات عبد الرحمن بجرأة لم نعهدها في فيلم أردني سابقا
الفيلم من بطولة صبا مبارك وفرح بسيسو وحنان الحلو ومريم باشا ومن إخراج زيد أبو حمدان، وقد حصد على جوائز عالمية ويتم عرضه تجاريا في السينما بعد نجاحه في المهرجانات السينمائية .