تدير لاما مارديني من سوريا مركز “سول آرت” في دبي، ويقدّم ورش عمل مختلفة لتطوير الذات (رسم، رقص وتأمل)، رابطاً الصحة النفسية بالفن والتعبير. نسألها عن مغامرتها في تأسيس المشروع.
لماذا قرّرت تأسيس عملك الخاص؟
درست “تجارة واقتصاد” وعملت في مجال الأبحاث والدراسات الاقتصادية في مصارف وشركات في دبي. لطالما أحببتُ الفن، لكنه لم يشكّل مصدراً للدخل، وانقطعت عن الرسم لمدة 11 عاماً.
بعد وفاة والدي، مررت بفترة صعبة نفسياً، اتجهتُ بعدها إلى اكتشاف الذات والاهتمام بالصحة النفسية. بعد جلسة علاج بالتنويم الإيحائي، اقترحت عليّ المعالجة أن أقوم بعمل إبداعي، فعدت إلى فرشاة الرسم والألوان.
بحثتُ عن مراكز للتعبير عن ذاتي بالرسم، لكني لم أجد المكان المناسب، ومن هنا فكرت بتأسيس مركز فنيّ بتوجه مختلف وحديث، يجمع التأمل والتطوير الذاتي مع الفن بأنواعه.
كيف بدأت التنفيذ على أرض الواقع؟
أجريتُ دراسات للسوق والمنافسين، وشجعني الافتقاد لهذا النمط من المراكز على فهم فرص مشروعي. استقلت من وظيفتي، وبدأت عام 2014 بإعداد الحسابات والدراسات الاقتصادية للمركز. احتسبت المبلغ الذي احتاجه، ويشمل الايجار والرواتب والتجهيزات، وبلغ نحو نصف مليون درهم إماراتي (136 ألف دولار تقريباً). وفق حساباتي، كان يلزمني 250 ألف درهم لتأسيس المركز، و250 ألف درهم لدفع الرواتب والعمل للعام الأول.
أخذت المبلغ كقرض من أختي، وبدأت الرحلة. بدا لي أنّ كلّ ما مررت به في حياتي من خبرات كان يجهزني لهذه اللحظة.
بدأت بالبحث عن مواقع للإيجار، لكني لم أستطع أن أجد مكاناً يتناسب مع ميزانيتي، فاستأجرت موقعاً أغلى، وتكلّفتُ نحو مليون ونصف درهم، أي ضعفَيْ الكلفة التي احتسبتها. بعدما تكبدت ذلك المبلغ، تولّد لديّ إصرار هائل على الاستمرار، وافتتحت مركز “سول آرت” في أكتوبر 2015.
كيف كانت انطلاقة مشروعك من الناحية المادية؟
احتاج المركز أربع سنوات ليحقّق أرباحاً. في السنة الأولى، كان مدخول المشروع نحو 100 ألف دولار، ولكنّ المصاريف كانت مرتفعة. تلك الخسارة الكبيرة كانت بمثابة “أكثر جامعة مكلفة ارتدتها في حياتي”.
تعلمت من أخطائي كثيراً، في السنة الثانية انخفضت الخسائر إلى النصف. أما حالياً، فقد تضاعف المدخول وانخفضت المصاريف إلى النصف تقريباً.
ما كان أصعب وأفضل ما مررت به خلال تأسيس المشروع؟
أصعب ما في تأسيس مشروعي الخاص هو المسؤولية الهائلة. لم أستطع أخذ أي إجازة خلال العامين الأولين، حتى إن تغيبت بسبب المرض، كنت أشعر بتأنيب الضمير.
نصيحة لكلّ من يريد أن يطلق مشروعاً في مجال من خارج نطاق خبرته، أن يحاول العمل في المجال ذاته لبعض الوقت، لكي يكتسب خبرة
في مرحلة التأسيس كان هناك كمية هائلة من التفاصيل، وقرارات كثيرة تحتاج للبتّ، من لون الجدران، إلى توصيلات الكهرباء، واختبار الموظفين، وإجراء المقابلات، حتى الشعار، وخطة التسويق، وبرنامج الحسابات، وغير ذلك.
أما عن أفضل ما في الأمر فهو الحرية، وخاصة حريّة الابداع. أفكار كثيرة قد تُقمع إن كنت تعملين لصالح إحدى الشركات، أما مشروعك الخاص فيعطيك الفرصة لتنفيذها.
ما هي الأمور التي تتمنين لو نفذتها بطريقة مختلفة؟
أولاً، لن أطلق المشروع لوحدي، إما أن تكون معي شريك/ة من البداية أو أن أوظف مديراً عاماً له خبرة في إدارة المشاريع والمراكز الفنية.
ثانياً، لن أستأجر مكاناً بحاجة لتأثيث، بل موقعاً مجهزاً أو يحتاج إلى تغييرات طفيفة.
ثالثاً، تظهر الكثير من المفاجآت من العدم، ومن الجيد إضافة بعض المال في ميزانية المشروع تحسباً لها.
رابعاً، لن أفتتح ببرنامج كامل، فحين فتحت المركز، بدأت بـ 7 أيام أسبوعياً ودوام 12 ساعة. كان من الأفضل التشغيل تدريجياً، لكسب الوقت في ترتيب ومراجعة الأمور.
خامساً، وهذه نصيحة لكلّ من يريد أن يطلق مشروعاً في مجال من خارج نطاق خبرته، أن يحاول العمل في المجال ذاته لبعض الوقت، لكي يكتسب خبرة.
وأخيراً، كنت سأتبع حدسي أكثر. ففي بعض المنعطفات من المفيد أن تغضّي النظر عن النصائح وتتبعي صوتك الداخلي.
في الأوقات الصعبة، كيف تتصرفين؟
أحاول ألا أقارب المشاكل مهما عظمت كمصائب، بل أحاول تحليلها بشكل موضوعي، وأعمل مع فريقي على إيجاد حلول.
كذلك أستخدم المشاكل كأدوات للتعلم، مثلاً التثبت من الدفع مقدماً، بعدما تخلف أحد العملاء عن الدفع لورشة عمل خارجية.
أما على مستوى شخصي، فكوني أخذت دورات تدريبية في التطوير الذاتي، فإني ألجأ لأن آخذ وقتاً مستقطعاً من كلّ شيء، أمارس التأمل وأحاول التعمق بمشاعري وأفكاري بعيداً عن الصخب، وبعدها دائماً ما تتجه الأمور للأفضل.
هل أثر كونك امرأة على تعامل الناس معك؟
بصراحة لم أشعر بأي اختلاف إيجابي أو سلبي في نوعية تعامل الأشخاص معي في مراحل التأسيس واستخراج الرخصة أو حتى لاحقاً. ولكن ربما كوني امرأة عربية، قربني من دوائر السيدات المهتمات بالفن أو بالتطوير الذاتي في دبي، واستطعت التواصل معهنّ بشكل أفضل.
كيف ترين خصائص المرأة في قيادة الأعمال؟
كامرأة أتعامل مع الأشخاص والمؤسسات المختلفة بمرونة، أركز كثيراً على بناء العلاقات، ففي مواجهة أي مشكلة مع أي جهة أحاول أن أكون أكثر تفهماً، وبالفعل تكون النتيجة دائماً لصالحي. باختصار نحن كنساء لدينا قدرة هائلة على العطاء وهذا ما يميزنا كقادة.
أذكري لنا 3 أدوات تنصحين بها أي شخص يريد أن يؤسس عمله الخاص؟
أولاً: الـmentor أو المرشد
الخبرة في تفاصيل الموضوع مهمة جداً هنا، والنصائح التي يوجهها لك شخص مر بنفس التجربة تكون فعّالة للغاية.
ثانياً: تجمعات الأعمال
هناك عدد من الجهات الراعية لرواد الأعمال، ومنها Wibn. الذي استفدت منه شخصياً. فهم ينظمون ورش عمل ومحاضرات، يساعدون الأشخاص على تطوير أفكارهم من مرحلة الفكرة إلى التنفيذ.
ثالثاً: برامج الأعمال على اليوتيوب
استفدتُ كثيراً من قناة ماري فولير على اليوتيوب. فهي تنشر فيديوهات نصائح متخصصة وواقعية عن عالم إدارة وتأسيس الأعمال بعيداً عن الشكليات والإيجابيات الخادعة.
