“ما تعلّمني شغلي”، رنّت العبارة بنبرة حازمة في غرفة الاجتماعات.
مايا، إحدى الزميلات المختصات بالإحصاء والأرقام، تعرض أرقام التفاعل مع حملة إعلانيّة نفذناها قبل مدّة. يقاطعها، كريم، زميل آخر، ليشرح لنا الطريقة المعتمدة في القياس، بجمل عشوائية.
مايا تتقاضى راتبها من الشركة لتقيس وتحصي وتقرّر الأفضل في قسمها، وتقدّم النتائج وفقاً لأحدث الطرق العلميّة المستخدمة في مجالها. أما كريم، فمن القسم التقني.
وقفت مايا لأكثر من دقيقة تستمع لنظريات كريم حول عدد اللايكات التي تحققها منشورات صفحة الشركة على فايسبوك. وبينما هو يواصل مونولوجه، انتظرته بصبر كي ينهي وصلته. ثمّ قالت: “ما تعلّمني شغلي”، مشيرةً إلى الوقت الذي أخذته لإنجاز العرض.
ارتفع صوت كريم، وقال لها: “ما تسكتيني، بحقلي أعطي رأيي”، وحين أجابت أنّ “الجميع سيتاح لهم طرح الأسئلة في نهاية العرض”، رفع صوته أكثر وقال: “ما بتتقبلي النقد، وما تعلّي صوتك عليّ”. هنا، تقدّمت صوب مقعده، وأعطته أوراقها، وطلبت منه بنبرة مازحة أن يقف ويواصل تقديم العرض عنها، وضحك الجميع.
“ما تعلّمني شغلي”، عبارة تستفزّ الرجال في العمل كثيراً. حين يسمعونها، يصابون بصدمة، يحتدّون، يدافعون عن حدودهم ومكتسباتهم. كان على زميلتي لتنقذ ما تبقى لها من وقت، أن تحوّل الأمر إلى مشهد كوميدي.
حين أكون مكانها، وقد كنت مكانها مرّات كثيرة، أفقد أعصابي، آخذ نبرة دفاعية، وتعلو الأصوات في المكان.
تعبتُ من المعركة الدائمة مع رجال يشرحون الأشياء لي: مواد قانونية أحفظها وهم يعرفون ذلك، مراحل تنفيذ عمل أتقنها وهم يعرفون أني أتقنها، كيف أعبّر عن نفسي على تويتر (لأنّ حسابي ليس مكاناً للتعبير عن رأيي، بل عن رأي “Dark Lord” و”صقر الصحراء“).
أعرفُ أنّها طريقة بدائية لفرض السطوة علينا، على كلامنا، على مساحتنا، على حرية تصرفنا. وكلّما حاولت احتواء الموقف، كي لا أفقد أعصابي، وأخسر الجولة، أعود إلى ذات ردود الفعل الدفاعية، أشرح وأبرّر نفسي وأحتدّ.
يكفي أن يبادر أحد الرجال في الغرفة إلى وصلة شرح وتفسير، حتى أشعر أنّي على خطأ، أنّي في موقع التبرير. ربما بتنا ننتبه لهذه الديناميكيات الآن أكثر. أن يتولّى الرجال الشرح من الأعراف السائدة التي لا يناقشها أحد، ولا ينتبه لها أحد، ولا يشعر كثر بالخلل الكبير فيها.
الواقع مبرمج على حقّ الذكور بـ”تعليم” الإناث (على سبيل المثال لا الحصر):
القيادة، فالنساء غير معدات لتشغيل السيارات بشكل سليم، ولا لركنها.
مستوى رفع الصوت، فالنساء يجب أن يحكين بنبرة خافتة حفاظاً على الذوق العام.
عدّ الأموال، لأنّ النساء لا يفهمن بالأرقام.
تشغيل الآلات، لأنّ النساء لا يعرفن تركيب مصباح كهربائي.
تغيير العجلة، لأنّ هذا النوع من التقنيات العجيبة صعب جداً جداً على دماغ الأنثى.
إلقاء محاضرة، فالنساء لا يتقنّ إلا الطبخ، وإن ألقين محاضرة في اختصاصهنّ فلا بدّ أنهنّ نسين إضافات مهمّة، على زملائهن من الذكور الأذكياء كليي المعرفة والقدرة أن يضيفونها.
تشخيص الأمراض، فهذه الطبيبة درست 13 عاماً في كلية الطب، وتدرّبت، وتمرّنت، وسهرت الليالي، لكي يتفضّل العمّ ليشرح لها تشخيصه الصحيح.
العمل، مهما كان نوع هذا العمل، فالنساء موجودات في سوق العمل فقط لأخذ الفرص من طريق الرجال. لماذا تعملين؟ هو رجل يريد إعالة عائلته. أنت لماذا تعملين. آه، تعيلين عائلتك أيضاً؟ أوف!
إبداء الرأي، خاصةً في مجال الرياضة، بنت وتحبين الكرة؟ قومي قومي اعمليلنا فنجان شاي!
الأنوثة، كيف تكونين امرأة حقيقية، كيف تكونين نسوية “جيدة”، بعكس النسويات “السيئات”، أمر لا بدّ من اختصاص الرجال، لماذا؟ ألا تعرفين أنّهم يختبرون آلام الدورة الشهرية. صدقاً.
التربية، أنت أمّ الأولاد ولكن لا تعتقدي أنّك تعرفين ذلك. كلّ الناس سيكون لها رأي بمنهجك، بالدرجة الأولى، رجال العائلة، المسؤولون عن تحديد سمعة العائلة ووجهتها وصورتها في المجتمع.
لا بدّ أنّي أبالغ أو أتوهّم صح؟
لا يمكن أن تكون الأمور بهذا السوء.
ولكن الدراسات تثبت أنّ ما يسمى بالـmansplaining، أو ميل الرجال إلى توضيح الأمور للنساء بطريقة توحي بتفوقهم الذهني، باقٍ ويتمدّد:
تشير دراسة صدرت عن جامعة جورج واشنطن عام 2014 أنّ النساء يتعرضن للمقاطعة أكثر من الرجال، من النساء والرجال على السواء، بمعدّل يزيد عن الضعف.
الرجال يحتكرون 75 بالمئة من الحديث في الاجتماعات المهنية، بحسب دراسة عن جامعتي برينستون وبرايهم يونغ.
كيف تواجهين الأمر إن تكرّر معك كثيراً؟
كيف تضعين حداً للرجال المفسرين والشارحين، من دون أن ينعكس ذلك عليك بشكل سلبي؟
القصد هنا ليس التعليقات المتوقّعة على الأداء المهنيّ أو الجامعي من المدير أو الأستاذ المحاضر على سبيل المثال. ولا يعني رفض الشرح والتفسير التعالي على النقد. القصد هو المقاطعات غير المبرّرة خاصة إن كان رجل ما يشرح لك أمراً هو في صلب اختصاصك، أو يقدّم فكرته بطريقة توحي بأنّك حمقاء أو تحتاجين لمساعدة.
بحسب كريستي هدجز Kristi Hedges، المستشارة في تطوير القيادة وصاحبة كتاب The Inspiration Code: How t he Best Leaders Energize People Every Day يمكنك اللجوء إلى التكتيكات التالية:
- استعيدي الكلام بطريقة لبقة، ولكن لا تتركيه يتمادى، لأنّ تراكم ذلك سيؤثر على تقدمك المهني، ويجعل المسؤولين عنك يعتقدون مع الوقت أنّك “لا تعرفين”. يمكنك أن تقولي بلطف: “دعني اكمل وإن كان لديك أسئلة أخرى يمكنك أن تطرحها في النهاية” أو “شكراً على التعليق، الموضوع عندي“.
- حسّ الفكاهة يمكن أن يضع الحدّ لكلّ المتدخلين، يمكنك أن تقولي: “طبعاً، ما تكون مفكرني رح اتركلك الساحة تقول كل شي عنّي”، مع ابتسامة، أو “خلّيني اتذكّر شو اختصاصي. آه، الإحصاء اختصاصي مش اختصاصك“!
- احكي بصوت مرتفع، لأنّه من عادة النساء خفض صوتهنّ. الصوت المرتفع قليلاً، والنبرة الحازمة، يوحي للمستمعين بأنّ الخطأ معك ممنوع.
- التجاهل حلّ دائم لكلّ المنغصات، خاصة حين يعطيك أحدهم نصائح أو شروحات غير مطلوبة.
قد تجربين اللطف والفكاهة والتجاهل، لكن زميلك يواصل تتفيه كلامك. عندها، يمكن أن تردّي بطريقة مباشرة وأن ترفعي المسألة للمدراء أو المسؤولين عنك، لتطالبي بتغيير إدارة الاجتماعات.
ومن التكتيكات الفعالة للتعامل مع الـmansplaining الصراحة. كوني شفافة وأخبري زميلك المفسّر أن تصرّفه يزعجك، وأنّ ما يقوم به نوع من فرض السلطة غير المرغوب. قد تستغربين، لكنّ معظم الرجال لا ينتبهون إلى أنّ مبادرتهم للشرح فيها عجرفة، وحين يفهمون مكمن المشكلة، سيعتذرون. غالب الناس يندمون حين يدركون أنّهم غير مراعين لمشاعر الآخرين.
تستطيعين أن تقدمي له خريطة الطريق هذه التي أعدتها كيم غودوين Kim Goodwin بطلب من زملائها الرجال:
