ياسمينا هلال، عن حب الذات والأم والجدة
كتابة: ريان الرمال
.*”لم تستطع ياسمينا أن تحبّ نفسها حقّاً إلا بعد أن شعرت بأنّها امتدادٌ لأمّها وجدّتها. من هنا، كان عملها الفنّيّ الأخير “بشوف حالي فيكي
تجلس ياسمينا على سريرٍ أبيض ووراءها حائطٌ وردي بلون “البونبون” الزهريّ. “هذه الغرفة أعادت تصميمها جدّتي كي تصبح غرفتي بعد أن كانت مكتباً لجدّي، وهي مكاني المفضّل في العالم”. يقع منزل جدّة ياسمينا في منطقة الرملة البيضاء، قرب بحر بيروت وهوائه. كانت ياسمينا الصغيرة تسرح وتلعب في هذا البيت دون أن تلتفت لما حولها. لكنها مع الوقت بدأت تعي شيئاً فشيئاً أنّ جدّتها حوّلت منزل العائلة إلى قصيدة. فمع كلّ مزهريةِ “أنتيك”، ولوحةٍ فنيّة، ومع “الصوفا” العتيقة البيضاء ذات المساند الزهريّة المزركشة، كانت جدّتها تخلق فنّها الخاص. مع السنين، أصبح هذا المكان ملجأً حميماً لحفيدتها .ياسمينا ومصدر إلهام لها
صوّرت فنانة الكولاج الشابّة بعض لقطات “بشوف حالي فيكي” في هذا البيت تحديداً. ارتدت ياسمينا فستاناً مخمليّاً أزرق اللون وهو فستان عَقدِ قران والدتها، كما ارتدت أيضاً فستان خطوبة جدّتها الأبيض بوروده السوداء المرصّع ب”الستراس”. “لطالما قالت لي أمي وجدّتي: يي شو بتذكريني بحالي، بشوف حالي فيكي!“. كان حب ياسمينا للأزياء يذكّر جدّتها هدى بمتجرها الشهير “بيفرلي هيلز” الذي افتتحته في ستينيات القرن الماضي في منطقة كليمنصو في بيروت. هدى إمرأةٌ تحبّ جدّاً الإعتناء بمظهرها، ولا تزال حتّى اليوم تمرّر يدها على شعر ياسمينا المجعّد النحاسيّ – كلون شعرها- لتقول لها: ” فرقك مش ظابط يا تاتا. إهتمّي بحالك، دايماً“. أمّا نتالي- أم ياسمينا – فترى نفسها في فنّ ابنتها. هي مصوّرة فوتوغرافيّة وفنّانة كولاج – متوقّفةٌ عن العمل حاليّاً – وهي أوّل من أعطى ابنتها مذ حملت الصغيرة تلك الآلة السوداء العجيبة حتى بدأ معها شغف التصوير .Canon Film AE1 كاميرتها الأولى وهي من نوع
لكنّ أثمن ما تعلّمته ياسمينا من أمّها هو القوّة.
“!أمّي تواسيني دائماً في أيّامي الصعبة. ترفع ذقني بيدها لتقول لي: كوني قويّة”.
لم تكن علاقة ياسمينا بأمّها يسيرةً دوماً. لكن، خلال جائحة كوفيد-١٩، تشاركتا يوميّات الحجر الصحّيّ. كانتا تتشاركان قهوة الصباح، تتمشيّان، وتشاهدان المسلسلات التركيّة سوياً. هكذا توطّدت علاقتهما. “لقد بذلنا مجهوداً نحن الاثنتين “، تقول ياسمينا. “كنّا نريدُ أن نصبح أقرب”. لكنها تضيف “أعرف أنّ بعض العلاقات مع الأمّهات صعبة. أنا محظوظةً أنّ علاقتي بأمّي جيّدةٌ الآن، لكنّني مدركةٌ أنّ العديد من الشابّات في عمري تعانين من علاقةٍ سامّة مع أمّهاتهنّ، أو لا يوجد علاقة إطلاقاً بينهنّ لذلك كل تعاطفي معهنّ”.
نتالي، أم ياسمينا
لكن السنوات القليلة الماضية غيّرت ياسمينا وقد كان الدور الذي لعبته أمّها وجدّتها في ذلك محوريّاً. “مع العمر أنضج وأتقبّل نفسي أكتر. عندما شعرت أنّي جدّتي وأمّي وياسمينا في الوقت نفسه، أحببت هذا المزيج. أنا لا شيء من دونهنّ”.
ورثت ياسمينا عن نساء عائلتها علاقتهنّ بأيديهنّ. “تعلّمت من عائلتي حرفة العمل اليدويّ . لا أستطيع أن أفكّر فقط، عليّ أن أمسك الأشياء بيديّ وأشعر بها”، تقول ياسمينا. “إلى حدّ الآن أحاول الابتعاد في أعمالي الإبداعيّة عن التكنولوجيا. أحبّ أن أصوّر بالفيلم الفوتوغرافيّ التقليديّ، لا ديجيتاليّاً. أستمتع عندما أقوم بتحميض صوري في الغرفة المظلمة. هذا ما تعلّمته من أمّي.”
في معرضها الفنّي الثاني الذي أُقيم مؤخّراً في بروكسيل في بلجيكا، نرى صور ياسمينا وست شابّات في ملابس جدّاتهنّ وأمّهاتهنّ وخالاتهنّ أو في منزلهنّ. صور الكولّاج هذه ليست تقليديّة. فلا تسعى ياسمينا من خلالها إلى اصطناع الكمال، بل تحاول تحفيز شعورٍ لدى من تديرها.
“ياسمينا مرتديةً فستان خطوبة جدتها لعملها الفني “بشوف حالي فيكي
في اللهجة الشاميّة، معنى أن “تشوفي حالك في شخص” هو أن تشعري بقربٍ له/ا وأنّ هذا الشخص يمثّلك إلى حدّ التماهي به/ا”، كما أنّ هذه الجملة تعني أنّك فخورةٌ فيه/ا. تقول ياسمينا بسكينةٍ واضحةٍ “أنا “أرى نفسي في أمّي وجدّتي، وهنّ ترين نفسهنّ فييّ. أنا فخورةٌ بهنّ وأشعر أنهنّ فخوراتٌ بي. هذه هي السعادة بالنسبة إليّ
*”بشوف حالي فيكي” المعرض الفني الثاني للفنانة اللبنانية ياسمينة هلال والأوّل خارج لبنان – بروكسيل بلجيكا
.menart-fair بالتعاون مع غاليري زلفا حلبي وضمن فعاليّات
يمكنك قراءة هذه المقالة باللغة الإنجليزية من هنا.