خلال اجتماع عمل مهمّ عبر الانترنت، حان دور إحدى المسؤولات لتطلعنا على تقدّم فريقها. ما أن باشرت بالكلام، حتى بدأ ابنها ذي الأربع سنوات بالبكاء والصراخ بحثاً عن خاله. حين حاولت تهدئته، ضربها بريموت كونترول التلفزيون على وجهها، وانقطع الاتصال. يذكّر المشهد بفيديو خبير الشأن الكوري روبرت كيلي، حين دخل طفلاه الرضيعان إلى مكتبة المنزل، حيث كان في مقابلة على الهواء مباشرةً مع “بي بي سي” عام 2017.
الدمج المفاجئ بين البيت والعمل، وضع الجميع في مواقف محرجة. حتى أنا، في منتصف إحدى مكالمات العمل، وجدت أمّي تنادي عليّ قائلةً: “ليش تاركة كيلوتك على أرض الحمام”، أمام جميع زملائي. كان عليّ أن أشرح لها ولهم سبب وجود سروالي التحتي على أرض الحمام.
كثيرون لا يزالون عالقين في بيوتهم. دور الحضانة والمدارس مقفلة، والأهل يعملون من البيت، للحدّ من انتشار فيروس كورونا. يضطر الآباء والأمهات لإنجاز مهامهم الوظيفية، ومسؤولياتهم العائلية، من تدريس وتسلية وتربية، في المكان ذاته. وتلك ليست مسألة سهلة، وتتطلّب الكثير من والوقت والتركيز، والتفهّم من قبل المدراء، والصبر من قبل العائلات. قررنا أن نسأل بعض الأمهات والآباء عن تجاربهم في الحجر مع الأطفال.
تخبرني صديقة لي اسمها مايا (29 عاماً) أنها شعرت بفرحة في بداية الحجر، لأنّها كانت المرة الأولى التي تبقى في البيت لفترة طويلة مع ابنها. لكن لاحقاً شعرت بثقل المسؤوليات المتراكمة. “عليّ أن أتّبع دوام المدرسة بالتدريس، والمدير يتصل بي من العمل، وعليّ أن أطبخ وأسليه”. بالنسبة لها الحل هو التأقلم بالأخص أنّها لا تحب وضع خطة أو جدول، بل تقوم بالأمور بشكل عشوائي.
تخبرنا ريما (33 عاماً)، إنّها نقلت دوامها في العمل إلى ساعات الليل. “كلّمت المدير، قلت له، في النهار لست موجودة. أنا أدرّس أطفالي وأرعاهم. ولهذا، دوامي يبدأ الساعة 5 مساءً، وينتهي ليلاً”. تضيف أنّها تعمل من الصباح وحتى المساء، لديها دوام لأطفالها، ودوام للعمل. وكعدد كبير من النساء، لا يمكن لريما أن تلجأ لوالدتها لأنّها تخاف أن تنقل لها العدوى.
لسنا نساء خارقات… فلنسمح لأنفسنا أن نقدّم الحد الأدنى مما نقدر عليه، من دون الشعور بالضغط أو بعبء المقارنة مع أمهات أخريات على الانترنت
أمّا سهام (34 عاماً)، فلديها قصتها الخاصة: “الفرق بين ولدَي سنة واحدة، ويتشاجران كثيراً، وقد اعتدت على ذلك، حتى أنّ زملائي اعتادوا على الأمر، فما عدت أخجل من الموضوع. لكن، في إحدى الاتصالات، قررا أن يتشاجرا، لأكتشف موهبة جديدة عند أحدهما وهي الشتائم، وسمعه الجميع”. تعي سهام أنّه من الصعب التحكّم بما يسمعه الأولاد، لكن انزعجت بسبب تعليقات بعض الزميلات اللواتي يكبرنها سناً، حول تربية أولادها.
تقول صديقتي رنا، أنّ أصعب ما تواجهه هو أنّ ابنها يحب التخريب. يبلغ ابن رنا الرابعة من العمر، في المرة الأولى، اختار توقيت اجتماعها لوضع مسحوق غسيل في جورة الحمام. وفي المرة الثانية، كتب على جدران الرواق. وفي المرة الثالثة، دمّر مكياجها، وفي المرة الرابعة قرر أن يبتكر طبخة باستا بمعجون الأسنان. تقول إن ابنها لا يتصرف بهذا الشكل في الحضانة أو مع جدتيه، لذلك تعيد تقييم أساليب التربية التي تعتمدها ونظرة ابنها لها.
تغيير العادات أمرّ ضروري أحياناً، للوصول إلى حلّ وسط مع الأطفال. تقول ربى (40 عاماً): “على عكس العادة، صرت أسمح لأولادي بالتسلية عبر الألعاب الالكترونية والمسلسلات. لا أشتري الألعاب الإلكترونية بسهولة لأنّ ثمنها غالٍ، هذه المرة اشتريت لهم كل ما يريدونه كي أكسب بعض الوقت لي لأنهي عملي”.
قصص الحجر هذه قد تكون طريفة، لكنها أحياناً تتحوّل إلى مأساة. كانت فاطمة (32 عاماً) تؤجل تسليم مجموعة أوراق لعملها، لانشغالها بولديها، وفي موعد التسليم وقع ابنه وجرح رأسه. “رأيت الدم على الأرض، وبدأت بالبكاء والصراخ، حمله زوجي وركضنا به إلى المستشفى”. خسرت فاطمة عملها، لأن المسؤول عن المشروع لم يكن متسامحاً معها.
كيف نتجنب هذه الكوابيس كلها؟
- لسنا نساء خارقات
من المهم أن نتذكّر أنّنا بشر ولا نملك قوى خارقة. هناك هوس كبير بدعوة العائلات المحجورة إلى تقديم نشاطات مسلية لأولادهم. علينا ولو لمرة أن نقدّم الحد الأدنى مما نقدر عليه، من دون الشعور بالضغط أو بعبء المقارنة مع أمهات أخريات على الانترنت.
- الأب ليس ظلاً
يخبرنا حسن (34 عاماً)، أنّه يشارك بتعليم أولاده. “نقسّم المهام زوجتي وأنا، إنّه أمر صعب طبعاً، لكن أتفهم أنّ عملها يأخذ وقتاً، مثل عملي تماماً. أطبخ أحياناً، كما أتحمل مسؤولية تدريس بعض المواد”.
من جهته مدّد رامز (33 عاماً) ساعات عمله وقلبها، ليعمل في المساء، ويساعد زوجته في الأوقات الأخرى. “لأني متواجد في المنزل بتّ أعمل 7 أيام في الأسبوع، عوضاً عن خمسة، ويمكنني تقسيم وقتي بطريقة مختلفة، وتعويض تقصيري في العمل في عطلة نهاية الأسبوع”.
- العمل ليس سلطة
نشعر أنّ الإدارة هي بمثابة سلطة، وهذا التفكير خاطئ. علينا أن نفكر بالعمل كمعاهدة. وفقاً لهذا المبدأ يكون التفاهم بين الادارة والعمال. علينا ألّا ننظر لأنفسنا كأشخاص يمكن استبدالهم بأي لحظة، بهذا نخسر أكثر من الراتب، ونحن نتقبل الضغط بدلاً من التعامل معه.
- تعليم الأولاد المسؤولية
على الأم أن تجد أساليب جديدة لمنح الأطفال وقتاً مستقلاً عنها. تحديد زاوية خاصة بهم في المنزل، قد يساعد. فتعيين مساحة جغرافية يساعد الأطفال على خلق روتين ملموس. عليهم أيضاً أن يشعروا بالمسؤولية عن إتمام دراستهم.
- لا تنسوا الجدول
ضعي جدولاً لك ولأولادك، والتزمي به، ليكون لكلّ ساعة في اليوم هدفاً: ساعة النوم، ساعة الدراسة، ساعة الاستيقاظ. الجدول كالمساحة الجغرافية أمر ملموس ويمكن تطبيقه ويسهّل الحياة.
حظاً موفقاً مهما كانت معارككن!