الاغتصاب الزوجي جريمة لا يعترف بها القانون
أسماء فتحي
“كنت صغيرة ولا أعلم طبيعة ما يحدث. فوجئت بزوجي يمارس معي الجنس بأساليب لم تخبرني عنها أمي. في البداية ظننت الأمر طبيعيًا حتى توقف جسدي عن التحمل”. هكذا بدأت *أحلام سيد، 20 عامًا، ربة منزل، زواجًا استمرّ ثلاث سنوات مع رجل لا تكتمل متعته إلا بأذيتها، تتجه ممارساته نحو مواضع تضرها ولا يقبلها الشرع، على حد تعبيرها، أو اختيار أوقات لا ترغب فيها بممارسة الجنس كفترة الحيض. كل ذلك متسلّحًا بذريعة أن طاعته واجبة فيما يرغب.
وعندما قررت أحلام إخبار والدتها على أمل أن تلقى منها بعض الدعم اتهمتها بقلة الفهم مؤكدة أن رغبات الزوج لا بد من تنفيذها حتى لا يبحث عن أخرى تحققها له.
زُوجت أحلام عندما كانت طفلة دون السن القانوني بعقد زواج عرفي، كما اعتاد الأهالي في التحايل على شروط الزواج الرسمي، إذ يمنع القانون المصري زواج الفتيات تحت سن الـ 18. حاولت التأقلم نزولًا على رغبة أسرتها حتى بلغت السن القانوني وقررت رفع دعوى تطليق وتحرير محضر بقسم الشرطة، متحدية بذلك كل ما تردد في آذانها من نداءات الأهل ووصم المحيطين بها. لم يبتّ القضاء بعد في قضيتها ولكن استطاعت أحلام إثبات الواقعة عبر تقديم كشف طبي عاينته الجهات المختصة.
تؤكد هبة عادل، محامية النقض ورئيس مجلس أمناء مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، أن القانون المصري لا يعترف بالاغتصاب الزوجي كجريمة إلا في حال أدى إلى الوفاة أو العاهة المستديمة.
وكشفت أن المؤسسات النسوية أثناء العمل على قانون العنف الموحد في مارس 2022، وضعت نصًّا واضحًا للاغتصاب الزوجي وتجريمه ولكن أكثر من نائب ونائبة ممن عُرض عليهم المقترح أكدوا على ضرورة حذف النص قبل تقديمه للبرلمان لما قد يُحدثه من ضجة وإثارة بلبلة مبررين أن ما “لا يُدرك كله لا يُترك كله” وغيرها من التبريرات التي أدت لحذف النص حتى يتم تمرير مقترح القانون.
أما الأزمة الأخطر بنظر المحامية فتتعلق بالقيم الدينية المرتبطة بالمسألة إذ يعتقد الكثيرون أن تجريم الفعل يتعارض مع طاعة الزوج المنصوص عليها في الأديان والتي يتم التسويق والترويج لها بانحياز واجتزاء للسياق مبررين أن “طلبات الزوج أوامر” وأن رفض المرأة لرغباته يخالف شرع الله لكونه المطاع بعده على الأرض.ويستند هؤلاء للحديث النبوي المتفق عليه: “إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح”، علمًا أن مركز الأزهر العلمي للفتوى الإلكترونية أصدر تصويبًا للمفاهيم الخاطئة المقرونة به، مؤكدًا على عدم جواز إيذاء الزوجة بدنيًا أو نفسيًا كما ورد في قول الرسول: “لا ضرر ولا ضرار”.
مهما كانت التبريرات، سواء كانت دينية أو غير ذلك، يشجع غياب الرادع القانوني على ثقافة الكتمان علمًا أن الإفصاح عن أمر كهذا في مجتمع محافظ سيجلب للمرأة الكثير من الوصم و”الفضيحة”، ويعزز من إحساس الضحية بالعجز والذنب خاصة وأن عددًا ليس بالقليل من النساء لا يعلمن أن ما يحدث معهنّ هو اغتصاب بحكم أن ما يتعرضنّ له من اعتداء يُمارس ضمن إطار المنظومة الزوجية.
الطلاق ليس حلًّا للجميع
*فاطمة، 40 عامًا، معلمة، قررت مواصلة الحياة في كنف زوجها رغم ما يعرضها له من ألم وعنف. بعد إنجابها ثلاثة أطفال خلال العشر سنوات الأولى من زواجهما أصبح زوج فاطمة عنيفًا أثناء ممارسة الجنس معها وإن رفضته يضربها أمام الأطفال.
فكرت فاطمة في الانفصال عنه مرارًا ولكن أسرتها لم تجد فيما يفعله الزوج جرمًا حتى وإن “قطع من جسدها” لكون “طاعته واجبة” والخروج عنها “عصيان لله عز وجل”. لم تجد من يساندها أو حتى يخبرها أن ما يحدث معها غير مقبول بل الكثيرات في الجلسات النسائية أو “قعدات النميمة” على حد وصفها يرونه أمرًا طبيعيًّا. تستذكر فاطمة ما قالته لها صديقة في إحدى الجلسات: “وماله لما يفرغ فيكي غيظه وقرفه أمال هيروح لمين؟ كل الرجالة كدة وأساسًا طلباتهم بقت عجيبة تلاقيه شافله كام فيلم وبيحاول يشد حيله زي أبطالهم ولّا حد نصحه زي ما جوزي قالي”.
يأتي قرار فاطمة من خوفها على أبنائها، مواسية نفسها أنها لن تحيا معه بقدر ما مضى من عمرها: “المطلقة في مجتمعنا لا يمكنها الحياة بسلام. أطفالها يُعيرون بأمهم، خاصة إن كانت بنت. وأسرتي لن تقبلني، كما لا أستطيع البحث عن دخل لأطفالي في المحاكم ولا أستطيع تحمل نفقاتهم وحدي، لذلك يجب أن أضحي في سبيل استقرار وضعهم وأطلب من ربي أن يهديه ويشعر بألمي”.
تؤكد المحامية المصرية سناء رمزي، أن الخوف الأكبر لدى الزوجة التى تتقبل العلاقة وممارسات الزوج الضارة يكمن في وصم المجتمع لها بعد الطلاق خاصة أن ما تتعرض له من اعتداء جنسي لا يجرم قانونًا وهو ما يجعل قبولها بالأمر الواقع تحمّل وأصالة في العرف السائد وما دون ذلك تبتر و”عيب”.
والوصم المجتمعي أحد أبرز الأزمات التى تواجهها النساء في تقديرها مؤكدة أن التربية الجنسية والنضوج الفكري من أهم العوامل التي يمكن البناء عليها داخل المجتمع لتفتيت التنميط والأفكار التى تنتهك حقوق النساء الجسدية والنفسية.
الأسباب متعددة والحلول ممكنة
تتعدد أسباب انتشار الاغتصاب الزوجي بحسب ما تراه المحامية هبة عادل، ومنها غياب الثقافة الجنسية عند الفتيات وغياب المشورة الزوجية بشكل واضح وفعال، فضلًا عن نقل بعض الأفكار الخاطئة عن الحياة الزوجية خاصة تلك المرتبطة عند الرجال بقوة الممارسة وأوضاعها التي قد تكون مؤذية.
ويمكن القول أن الاغتصاب الزوجي نتاج مجموعة لا نهائية من العوامل والمسببات منها المستوى الثقافي والاجتماعي والفكري للشريكين، إضافة إلى مدة العلاقة قبل الزواج، وحجم الثقافة الجنسية لدى الشريكين قبل وبعد الزواج ونشوء الرغبة وغيرها من الأمور.
وترجع عادل الأزمة لغياب القانون معتبرة أن أحد أهم أدوات الحل تكمن في وضع عقوبة واضحة ورادعة للاغتصاب الزوجي حتى لا تدفع النساء من أرواحها ثمنًا لمثل هذه الأفعال. مؤكدة على أهمية التوعية الأسرية الجنسية المبنية على العلم بدلًا من الأفكار المغلوطة التي يتم ترسيخها في وعي المتلقي حول “القدرة الجنسية والفحولة” وغيرها من الأمور، مع ضرورة التوقف عن الترويج للأمثال التي تهين المرأة والأحاديث الدينية التي ثبت عدم صحتها وإجتزائها عن سياقها للتشجيع على مثل هذه الأفعال التي تهدد حياة الزوجات وتعرضهن للمخاطر وتحول دون قدرتهن على البوح والإبلاغ عما يتعرضن له من انتهاكات وممارسات عنيفة.
كما أن للمؤسسات التعليمية دور هام في تغيير الثقافة الجنسية وبنائها بشكل منضبط لدى الأطفال من الجنسين في سن مبكر باعتبار ذلك أحد الأدوات الأسهل والأسرع مؤكدة أن هناك الكثير من الخبراء التربويين القادرين على تحقيق ذلك في المناهج التعليمية بذكاء يناسب الأعمار المستهدفة.
*جميع الأسماء مستعارة بناء على طلب صاحباتها.