كتابة نزيهة سعيد
“كان يخونني، ولا يصرف لإعالتي وإعالة بناتي، يهينني، يشتمني. تغاضيت عن ذلك كله، وصبرت من أجل بناتي. أعطيته فرصة أخرى، إلا أنه تمادى فلم أستطع التحمل أكثر. طلبت الطلاق، فحرمني من بناتي لأشهر”.
فاطمة عقيل، بحرينية، ٣٢ سنة، تطالب بالطلاق منذ ٢٠١٩، بعد زواج دام ٤ سنوات تخلله الكثير من الإهانات والضرب والخيانات والإذلال الاقتصادي، إلا أن زوجها يرفض تطليقها. تلجأ الكثير من النساء اللاتي يواجهن المصير نفسه إلى الخلع، ولكن الخلع في المحكمة الجعفرية (الشيعية) يصعب تحقيقه إذ يشترط موافقة الزوج. يسكن البحرين غالبية شيعية تابعة للفقه الجعفري وينقسم قانون الأسرة الإسلامي تبعًا لذلك إلى شقين: الجعفري والسني.
يمكن للمرأة في هذه الحالة تقديم دعوى الطلاق لضرر وهي دعوى تتقدم بها الزوجة لتطلب الطلاق لما تُلحقه بها العلاقة الزوجية من ضرر، سواء كان ضررًا جسديًا، نفسيًا، اقتصاديًا أو غيره، بحيث ترغم المحكمة من الزوج أن يوقع الطلاق عليها، ولكن تمتنع المحكمة في الكثير من الأحيان الاقتناع بالضرر ويصبح الإثبات عبئًا آخر يقع على عاتق المرأة.
ظهرت تبعًا لذلك فئة من النساء المتزوجات وفقًا للمذهب الجعفري رسميًا، ولكنهن على أرض الواقع “معلقات”، يطلب منهن الزوج مقابلًا للتطليق يكون عادة مبلغًا كبيرًا من المال أو حضانة الأطفال وغيرها من الشروط التي قد تقف الزوجة أمامها عاجزة عن إعطائه إياها، وهو أمر يمكن أن يتعنت فيه بعض الرجال لإجبار المرأة على البقاء في العلاقة الزوجية أو لإذلالها وقد يستمر ذلك لسنوات وسنوات دون حل.
تقدمت عقيل بالعديد من البلاغات لمراكز الشرطة مع أدلة على تعنيفها، ورسائل تهديد: “عندما حرمني من رؤية بناتي، ذهبت لرؤيتهن في منزل عائلته، وعندما علم بذلك، جاء وضربني أمامهن وأمام عائلته وهددني بالقتل. بعدها بيومين حاول تنفيذ تهديده فلحقني بسيارته عندما كنت أقود سيارتي، وصدمني عدة مرات من جوانب عديدة. كنت في حالة هستيرية من الخوف والذعر، إلا أن القضية انتهت بدفعه غرامة ٢٠٠ دينار (٥١٦ دولار أمريكي) فقط. الآن هو حرٌ ولا يزال يهددني ويرعبني”.
وتضيف: “يهددني بالضرب في مكان عملي، يرسل لي فيديوهات يحمل فيها سكين، لا يدفع النفقة التي حكمت المحكمة بأحقية بناتي فيها، أرسل لي رسالة صوتية يقول فيها: اللي يفصلني عنك سأفصل راسه عن جسده. وكل البلاغات التي أتقدم بها ضده في الشرطة، يتم حفظها إدارياً. لا أشعر بالأمان، والقاضي في المحكمة الجعفرية يرفض الطلاق للضرر. قال لي أن الحياة الزوجية تنازلات، ولكنني لا أستطيع تقديم المزيد منها”.
طلب زوج فاطمة أن تدفع له ألف دينار (٢٥٨٣ دولار أمريكي) وتتنازل عن حضانة البنتين لكي يطلقها، وهو أمر مستحيل أن تفعله حسب قولها.
لا هو يريدني ولا أنا أطيق العيش معه
أما شروق العصفور،٣٥ سنة، فبدأت المشاكل بينها وبين زوجها في العام ٢٠١٩، إلا إنها كما أخبرت “خطيرة” أخفت الأمر عن عائلتها “تفاديًا للتصعيد وسعيًا منها لحصر المشاكل في أضيق نطاق أملًا في التوصل لحياة زوجية مستقرة” كما قالت، إلا أن الأمر بلغ أوجه بعد ٣ سنوات، عندما كان يضربها بشدة بشكل لا يحتمل حيث كان تحت تأثير المخدر، فطلبت من عائلتها التدخل.
تقدمت العصفور ببلاغ لمركز الشرطة إثر الاعتداءات الجسدية المتكررة، والشتم والضرب، ورفعت دعوى طلاق للضرر لدى المحكمة الجعفرية في ٢٠٢١، لكن بعد مرور حوالي عام صدر الحكم بإجبارها على العودة إلى بيت الزوجية إذ اعتبرتها المحكمة “ناشز”: “بعدما أجبرت على العودة إلى بيت الزوجية وسعيًا مني لإعادة المياه إلى مجاريها لجأت إلى مستشار أسري، لكن زوجي لم يواظب على الحضور مما أفشل مسعاي للحفاظ على بيت الزوجية”.
في مايو (أيار) الماضي وإثر تعاطيه للمخدرات، هجم الزوج على شروق بشكل هستيري ودون مبرر، وضربها، ورمى ملابسها وحاجياتها الشخصية في الشارع، واتصل بوالدها شاتمًا “تعال خذ بنتك”. “نجوت من الموت بأعجوبة من تحت يده” تقول شروق، “وتوجهت مباشرة إلى مركز الشرطة وتقدمت ببلاغ عما حدث”.
تقدمت شروق بدعوى قضائية لحضانة أطفالها (بنت ٧ سنوات وولد ٥ سنوات)، وبعد ٤ أشهر من الحرمان منهما نهائيًا، حصلت على أمر من المحكمة برؤيتهما مرة في الأسبوع ولمدة 8 ساعات فقط في كل مرة، تقول: “أنا أعاني نفسيًا منذ قرابة العام، فهو يتحكم برؤية أطفالي. هو من يحدد أوقات رؤيتي لهم وأحيانًا لا يسمح لي برؤيتهما معًا، كما أن تكاليف المحامي أرهقتني”.
تختم العصفور حديثها: “من المؤكد والثابت عقلًا وشرعًا وإنسانيًا أن الحياة بيننا أصبحت مستحيلة فلا هو يريدني ولا أنا أطيق العيش معه فلماذا تجبرني المحكمة على الاستمرار في حياة هي أشبه بالجحيم؟”.
غياب الأرقام وسعي لتعديل القانون
لا توجد أرقام لدى الجهات المعنية لعدد هاته النسوة، ولكن المحاكم الجعفرية تشهد يوميًا على مثل هذه الحالات التي تُرفض فيها طلبات السيدات خلعهن من علاقة زواج يغيب فيها التفاهم والحب. يقول المحامي البحريني حسن إسماعيل: “إخفاء البيانات والإحصاءات الرسمية أو غيابها عند الجمعيات الأهلية حول مختلف الملفات بما فيها ملف المعلقات يشكل مشكلة جوهرية لأي دراسة بحثية، فالإحصائيات من شأنها أن تكشف طبيعة المشكلة وعمقها، مما يسمح للباحث أو حملات المناصرة باستشراف سبل الإصلاح الأكثر نجاعة”.
ويضيف إسماعيل: “يقف نص المادة (95 البند 2) من قانون الأسرة في الفقه الجعفري أمام حصول النساء على الطلاق، فيتعنت الرجل في استخدام حقه في تطليق المرأة، ويشترط من البدل ما يزيد على المهر”.
ولحل هذا الأمر يرى إسماعيل إنه من الضرورة “تعديل هذه المادة لكي تنص كما نص الفقه السني في ذات المادة البند (1) أن يكون إنهاء العلاقة الزوجية بالخلع بالتراضي بين الزوجين، وفي حال تعنت الزوج برفضه المخالعة، حكم القاضي بالمخالعة وأن يكون البدل مناسبًا في حدود المهر لا يزيد عليه”.
ومن ضمن التعديلات المقترحة على قانون الأسرة، إحكام وحصر ما يعنيه “الضرر” بعيدًا عن التعريفات الفضفاضة المتداولة حاليًا، ليصبح ضررًا يستوجب تطليق الزوجة كل: إخلالٍ بالشروط الواردة بعقد الزّواج، وكل تصرف من الزوج يلحق بالزوجة إساءةٍ مادّيةٍ أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية، كل فعل من أفعال الإيذاء الجسدي أو المعنوي أو الجنسي أو الاقتصادي أو التّهديد به يقوم به الزوج تجاه الزوجة والأبناء، خيانة الزوج لزوجته وامتناعه عن المعاشرة الجنسية مدة ستة أشهر، هجر الزوج لزوجته كلياً وتركها معلقة بدون عذر لمدة سنة. على القاضي في هذه الحالات بذل الجهد للإصلاح وإذا عجز عن الإصلاح وثبت الضرر حَكمَ بالتطليق.
ويوضح المحامي إسماعيل: “أنه على الرغم من هذا التعديل فإن الزوجة سيظل عليها عبء اثبات هذا الضرر أمام القضاء الشرعي وستظل في غالب الأحيان عاجزة عن إثباته في ظل اشتراطات قانون الأسرة لقبول الشهادة كدليل لإثبات الضرر وفي ظل عدم وجود شهود”.
وفي السياق ذاته تؤكد رئيسة الاتحاد النسائي البحريني أحلام رجب على أهمية معالجة المسألة وتعديل القانون الذي يوشك الاتحاد على الانتهاء من مسودة معدلة منه. “إن الثغرات عديدة في قانون الأسرة وليست متصلة بالمعلقات فقط” تقول رجب، “فالعديد منها يتعلق بالإرجاع في مدة العدة في حالات الطلاق الخلعي بدون موافقة الزوجة، والأخرى تتعلق بالطلاق التعسفي أو الطلاق بدون حضور الزوجة، فضلًا عن العديد من المواد في الشق السني من القانون كما هو الحال في الجعفري”.
وأشارت رجب إلى أن الاتحاد يرشد المتضررات من المعلقات للوجهات المناسبة، ويقدم المقترحات والملاحظات للجهات المسؤولة، بالإضافة للمقترحات التشريعية.
وعن سبب تأخر تعديل القانون يوضح إسماعيل: “إن إصدار التشريعات أو تعديلها لا يتم إلا عن طريق السلطة التشريعية ومن المزمع عرض التعديلات خلال الفصل التشريعي الحالي باقتراح قانون يعده الاتحاد النسائي، غير أن ذلك سيظل واقفًا على إرادة المجلسين النواب والشورى، وقرار سياسي يؤيد هذه التعديلات”.
حتى ذلك الوقت، تبقى السيدات تحت رحمة قانون يمنعهن من الحصول على حريتهن من زواج لم يتحقق فيه التفاهم والأمان والكرامة.