حكمت محكمة اقتصادية مصرية في يوليو الماضي، بسجن حنين حسام ومودة الأدهم وثلاث شابات أخريات بالسجن عامين، وبغرامة تقارب 20 ألف دولار أميركي، في قضيّة ما بات يعرف بـ”فتيات التيك توك”. وقررت المحكمة تأجيل أولى جلسات الاستئناف على الحكم التي كانت مقررة نهار الاثنين 17 أغسطس إلى 14 سبتمبر.
أدينت الشابات بتهمة التعدي على قيم الأسرة المصرية والتحريض على الفسق والفجور، وأحلن إلى المحاكمة الجنائية.
واتهمت إحداهنّ، وهي حنين حسام، “بالإتجار بالبشر بهدف استغلال حاجتهم الاقتصادية”. وطالبت المحكمة المتهمة مودة الأدهم بإجراء فحص عذرية، فرفضت. ورأت محكمة القضاء الإداري في مصر أنّ طلب كشف العذرية “انتهاك لحرمة جسد الأنثى وعدوان على كرامتها”.
استجاب القضاء المصري بسرعة للبلاغات المقدّمة بحقّ فتيات التيك توك، في حين أنّه لم يتعامل بالمثل مع حوادث اغتصاب ضجّت بها الساحة المصريّة في الفترة ذاتها، مثل قضية المغتصب المتسلسل أحمد بسام ذكي، وكشف ضحية جريمة الاغتصاب الجماعي في فندق الفيرمونت عما تعرّضت له قبل أعوام.
أثار الحكم جدلاً واسعاً، إذ رأى كثر أنّه ظالم وقاسٍ. وفعّل ناشطون وسم بعد إذن الأسرة المصرية على تويتر، فيما أنشأ بعضهم عريضة إلكترونية، تطالب بالإفراج عن الفتيات. في المقابل، أيّد آخرون الحكم، معتبرين أن جسد المرأة هو أساس فساد أو صلاح أي مجتمع.
حين أدنتُ الحكم على فايسبوك، فوجئت بسيل من الشتائم والانتقادات الشرسة، فاضطررت لحذف المنشور. ذلك ما دفعني لطرح السؤال عن ماهية قيم الأسرة المصرية، ومن يحدّدها، ويقرّ عقوبات جنائية بناءً عليها، وتوجهت بالسؤال لعدد من الشابات والشباب المصريين، عن رأيهم بالحكم.
كيف تقاس القيم؟
يقول روماني ميشيل: “هل من حق كل من لا يعجبه سلوك أو تصرف شخص آخر، أن يُقدم فيه بلاغاً، والتهم جاهزة؟ ما يحدث عبثي للغاية، ولا أعرف كيف تقاس القيم. من قرّر أن مشاهد رقص فتيات على تيك توك، يمسّ قيمه، لماذا لم يغلق التطبيق ويمتنع عن المشاهدة بدل تقديم بلاغ؟ من الذي عين أوصياء على رعايا الله في أرضه؟ فإذا كنت بالغاً عاقلاً، لماذا لم أجد عشرات الأوصياء على قرارتي وإرادتي؟ على أي أساس يتدخل الآخر فيما أفعله؟ ما الذي يضرك إن كنت لا أؤذيك؟”.
من جهتها، تقول الصحافية المتخصصة بشؤون المرأة إيناس كمال إنها المرة الأولى التي تسمع بوجود تهمة تُسمّى الإخلال بقيم الأسرة المصرية. “كلمة قيم أسرية كلمة هلامية مطاطية، ولا نعرف إن كانت تخص الملابس، أو الذوق العام، أو الأخلاق العامة، أو السلوكيات! مثلاً نحن لا نرتدي زياً موحداً، وإن كان على الرقص فالجميع يرقص وفي كل مكان، ما الجديد إذاً؟”.
ترى كمال أنّ ما أثار حفيظة المجتمع تجاه الفتيات، “هو جنيهن المال مقابل ما يفعلنه، خصوصاً أنّهن من طبقات وسطى أو ما دون، ولسن فنانات ومشاهير يحتمين برجال سلطة”. برأي كمال فإنّ ما يحدث “هو فرض لوصاية أكبر على الفتيات والنساء، ولكي تعيشي بسلام في مجتمع كهذا، عليك أن تكوني مثل الطيف، لا تلفتي الآخرين إليك، مهما حدث، وإلا ستكونين مهدّدة”.
“من قرّر أن مشاهد رقص فتيات على تيك توك، يمسّ قيمه، لماذا لم يغلق التطبيق ويمتنع عن المشاهدة؟”
حكم يناقض الدستور
في عام 2018، صدر القانون رقم 175 للجرائم الإلكترونية في مصر، وفي تعريفها أنّها “تُرتكب بواسطة حاسبات أو أجهزة إلكترونية”. لاحقاً، أضيفت إلى القانون المادة 25، لتشمل “جرائم التعدي على قيم ومبادئ الأسرة المصرية”، وتتراوح عقوبتها بين 6 أشهر و3 سنوات سجن، وغرامة بين 50 ألف و300 ألف جنيه مصري.
استندت المحكمة في التهم الموجهة “لفتيات التيك توك” على هذا القانون، “بالرغم من عدم دستورية النصّ، فالقانون مبهم، وليس هناك ما يحدّده”، بحسب المحامي هشام علي، وكيل حنين حسام.
يقول علي لـ”خطيرة”: “لا توجد لائحة واضحة بقيم الأسرة المصرية أو أشكال التعدي عليها. يضاف إلى ذلك تعدد الخلفيات الثقافية والدينية للمصرين، فهناك المسيحي والمسلم، وهناك أسر منغلقة وأسر منفتحة، فعلى أي أسس بالضبط سوف نحكم؟
أما بالنسبة للفيديو الذي تسبّب بإدانة حنين حسام، فهو بحسب المحامي “لا يتضمّن أي دعوة لعقد لقاءات غير شرعية. لا يدحض ذلك القول بأن نواياها كانت غير سليمة، لكن لا يمكننا معاقبة إنسان على نواياه، إذ ينصّ الدستور المصري على أنّ لكلّ جريمة ركن مادي لا قوام لها بغيره”.
يرى علي أنّ سبب ما حدث مع موكلته يعود إلى شهرتها في الفترة التي سبقت البلاغ، إذ أنها لُقبت بـ”هرم مصر الرابع” وأُحيلت إلى التحقيق من قبل رئيس جامعة القاهرة. لافتاً إلى أنّ حنين كانت تروّج لتطبيق لايكي المصرّح باستخدامه، لكن الفيديو اقتطع واستخدم من قبل مجهولين للإيحاء بأنها تروّج للدعارة.
وينوّه المحامي إلى أنّ الحكم على الفتيات كان “طبقياً، إذ أنّه لم يطبّق على أخريات من طبقات عليا أو فوق متوسطة. لا يتوقع علي أن تسقط التهم على حنين أو غيرها من الفتيات، ولكنه يرى أن الحكم يمكن أن يخفف، وهذا بشكل عام سيفرض وصاية أكبر على النساء.
يذكر أن مسار، وهي مجموعة من القانونيين والتقنيين المهتمين بالعمل على تعزيز الحقوق الرقمية والحريات المرتبطة بها في مصر، تقدمت بمذكرة إلى محكمة جنح مستأنف القاهرة الاقتصادية، تدفع بعدم دستورية نص المادة 25 من قانون الجرائم الإلكترونية.
“لكي تعيشي بسلام في مجتمع كهذا، عليك أن تكوني مثل الطيف، لا تلفتي الآخرين إليك، مهما حدث، وإلا ستكونين مهدّدة”
“علاج نفسي وتثقيف ديني”
يقول أحمد، وهو طالب بالجامعة البريطانية في مصر: “لا أُنكر أن الحكم كان صادماً بالنسبة لي، وأرى أنه كان يمكن أن يكون أخف، ولكني مقتنع بأننا لا بد من أن نُردع حتى تفرض الدولة قوانينها”.
ويضيف: “لا مشكلة في أن ترقص فتاة أو تشرب أو حتى أن ترتدي النقاب، فالقانون يسمح بهذه الأفعال ولكن المشكلة هي فرض سلوك ما على فتيات مقابل المال، كشكل من أشكال الاستغلال”.
من جهتها، تقول الكاتبة والروائية داليا فكري، مؤسسة مبادرة “صرخة” لمناهضة العنف ضد المرأة: “أعتقد أن القيم بصورة عامة هي الحفاظ على حدود الحلال والحرام، ما لم يسفر عنه جيل يمارس الحرية بطريقة خاطئة تجعله يخرج عن إطار المألوف أو ما تربينا عليه بأن الصواب صواب والخطأ خطأ حتى لو روّج للعكس”.
وترى فكري أن أحكام فتيات التيك توك مبالغ فيها للغاية، لأنها ستتسبب في ضياع مستقبلهن بدون سبب واضح. “معاقبة أي فتاة تمارس حريتها وترقص، ضد الدستور والقانون لأن هذه حياتها الخاصة، ولم تعتد على أحد”. وبحسب المادة 57 من الدستور “فإن للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس. وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة”.
ترى فكري أنه كان بالإمكان عرض الفتيات على أخصائيين نفسيين، إن رأينا أنّهنّ لا يعرفن الصواب من الخطأ.
يقول خريج جامعة الأزهر أحمد فرج، إنّ “ما حدث مع فتيات “التيك توك” هو تخلي عن القيم بسبب ضعف الوازع الديني وكان حل المشكلة يكمن بالتثقيف والتوعية الدينية ونشر الأفكار السامية في كافة سبل الاتصال وليس بالعقاب لأن العقاب لا يحل مشكلة”.
من جهتها، ترى طالبة الفلسفة بدور ثروت إنّ الفتاة هي المسؤولة الأولى عن القيم الأسرية، “فكيف لي أن أدعو ولداً بأن يحترم حدوده إذا كان يرى فتيات يرتدين ملابس مكشوفة غير محافظة؟ الرجل سينحرف عن المسار الطبيعي ولا لوم عليه في ذلك، الدور على الفتاة أولًا لأنها الأساس”.
“الحكم على فتيات التيوك توك شكل من أشكال فرض السيطرة على المواطنين. هذه المرّة كان العقاب من نصيب الفتيات، في المرة القادمة قد يكون من نصيب آخرين”
القيم الأسرية ضدّ النساء حصراً
يقول الكاتب الصحافي أحمد زكريا: “القيم الأسرية هي أفكار متخيلة عن ذواتنا وعن الآخر، فنتخيل أننا أفراد جيدين ولسنا سيئين مثل الآخر، أيَا يكن ذلك الآخر، ولذلك ننبذ أي فعل يُشبّهنا بآخرين نعتقد أنهم أكثر انحلالاً أو أقل محافظة منا؛ ولهذا لا نريد أن يخالفنا أي أحد، فنتصور أن تلك هي قيمنا ومبادئنا ونقهر من يخرج عليها، بينما في الحقيقة نحن لم نخترها أصلاً”.
برأيه، فإنّ الحكم على فتيات التيوك توك شكل من أشكال فرض السيطرة على المواطنين. هذه المرّة كان العقاب من نصيب الفتيات، في المرة القادمة قد يكون من نصيب آخرين. “الفتيات هن الطرف الأضعف في كلّ ما يحدث، في ظل مجتمع تحكمه مجموعة من الأفكار المزيفة ترى أن الأنثى هي أساس الانحلال، إلى جانب النبذ المجتمعي الكبير لسلكوهنّ، ما ساعد السلطات المصرية الذكورية التي تستقي أفكارها وتشريعاتها من الصورة المجتمعية العامة، إلى جانب وجود تفكير ديني عام يحكم الجميع”.
تقول مرام الجندي: “لا أعرف إن كان هناك ما يُسمى “بقيم الأسر المصرية” أم لا ولكن لا أوافق أبداً أن تكون تهمة؛ إذ أن ما تربينا عليه بشكل عام هو احترام الآخر ومساعدته وصلة الرحم والأهم من ذلك كله أن أهم قيمنا تنحصر في ألا يتدخل أحد في حياة الآخر، حتى وإن رأيت فتاة تمشي عارية في الشارع، التدخل واجب حين نرى تعنيفاً أو إجباراً على أي شيء. فماذا عن مئات حالات التحرش التي نجد لها تبريراً دائماً وهو لبس المرأة، ألا يخل هذا بأي قيم! المشكلة في أن قيم الأسرة التي نتحدث عنها ضد النساء بشكل عام وضد الطبقات المتوسطة وما دون بشكل خاص”.
وترى شيماء أحمد (اسم مستعار)، وهي باحثة نسوية، إنّ القيم الأسرية، تختلف من بيت إلى آخر، وفقاً لعوامل عدّة، منها عامل الطبقة، وعامل الدين، وعامل المستوى التعليمي “لا توجد قواعد واضحة نسير عليها جميعاً، وكامرأة مصرية لا أعرف ما الذي على فعله أو عدم فعله حتى لا أعتدي على تلك القيم؟ وبشكل عام، نتحرك كفتيات في مساحة ضيقة للغاية، وليس لدينا سبل للتنفيس، وما حدث مع فتيات التيك توك غير مفهوم، ولكنه يعكس تماماً ما يحدث على أرض الواقع. فهنّ لم يفعلن شيئاً سوى أنهم خرجن عن المسموح، وكسبن المال من خلال الانترنت، وذلك ما أزعج كثيرين”.