صوتي جميل.. ولكن “صوت المرأة عورة”! 

عندما استلمتُ استمارة الاختيار بين حصتي الموسيقى والأعمال اليدوية في المرحلة الابتدائية، لم أختر شيئاً. شعرت وقتها أن قراراتي لا تخصني. وضعت الاستمارة عند سرير أبي. فاختار تلقائياً: الأعمال اليدوية
الموسيقى عند أبي حرام، مع أنه يدندن أغاني فيروز وعبدالحليم حافظ حين يكون في مزاج جيد، ومع أن أمي تحب سميرة سعيد ووردة الجزائرية. كل ذلك ليس مهماً، المهم أن الموسيقى حرام!
كنت أفرح جداً عندما كانت تغيب معلمة الأعمال اليدوية فيضموننا إلى حصة الموسيقى. سحرني تناغم أصوات الطالبات وتداخلها مع الآلات. كان يُشعرني ذلك باتحاد عجيب، وكأن كل الأصوات امتداد لصوتي. لكني لم أخبر أحداً. لأن الموسيقى حرام!
في الجامعة أصرتْ صديقتي أن أغني أمام أستاذ الموسيقى. ترددت، ففكرة الحرام كانت لا تزال تنخر في عقلي. ولكني غنيت. غنيتُ “زدني بفرط الحب” لريم بنا، وغنيت لجاهدة وهبة. شعرت بأني أرتكب ذنباً كبيراً، فكيف أغني أمام الرجال بحجابي وعباءتي؟ خفت. ولكنه كان خوفاً لذيذاً.

أحبُّ صوت أبي وهو يقرأ القرآن والأدعية، لكني لم أخبره يوماً أن المقامات الموسيقية التي يستخدمها في الترتيل هي ذاتها المستخدمة في الغناء، وأن لكل آية قرآنية تأويلاً يأتي محملاً بسياقات وظروف مجتمعية مختلفة.
فما يعتبره المجتمع اليوم حراماً كان مسموحاً قبل بضعة عقود. ألم يُرفع صوت المقرئة منيرة عبدو وهي ترتل القرآن؟ ألم يطرب الرجال لصوت أم كلثوم وهي تنشد التواشيح أمامهم؟
لماذا إذاً يقال لنا اليوم إن صوت المرأة عورة وغير جائز أن يُرفع في المساجد والمآتم؟
لماذا علينا أن نخبئ أصواتنا خلف الأبواب؟ ولماذا على كل جميل في المرأة أن يُغطّى لأنه مدعاة للشهوة أو المعصية؟

يذكرني صوتي بحقيقتي. بأن في الأغنيات صلاة، وفي البكاء بالحفلات الموسيقية عزاء. يذكرني صوتي أني أؤمن وإن رأى المجتمع في ذلك معصية.

مركز المحتوى

Review Your Cart
0
Add Coupon Code
Subtotal