“بدي أصير أم”.. هكذا كانت تردُّ صديقتي كلما سألتها عن طموحها أو مستقبلها. لم تكن تفكّر بمهنة، أو سفر، أو حتى حب. كل ما أرادته هو أن تكون أمّاً، تماماً كما أمها وجدتها. وكان ذلك وحده كافياً لتشعر أن لحياتها معنى.
لم تأبه لنظريات الأمومة واللاّ إنجابية ولم تقرأ كتابات إيمان مرسال عن “الأمومة وأشباحها”. كل ما أرادته هو أن تعيش دور الأم كما تخيّلتْه هي. لكنها وفي مطلع الثلاثينات، وبعد أن تعرّضتْ لنزيف مؤلم استمر عشرين يوماً.. اكتشفتْ أنها مصابة بمرض يستدعي استئصال رحمها.
حاولَتْ بكل الطرق أن تتجنب الاستئصال.. كانت مستعدّة أن تتحمل المزيد من الألم وأن تأخذ المزيد من الأدوية والحُقن لكي تحافظ على رحمها الذي لن تستطيع من دونه أن تحقق حلمها.
كان كابوساً.. اكتأبَت.. بكت.. وصمتت لشهور.. شعرَت بأن حلمها الأكبر انتهى وتلاشى. رغم كل الحب والدعم الذي تلقّته ممن حولها، لم تستطع استقبال أية مشاعر.
اليوم، ما زالت صديقتي حزينة و بداخلها غضبٌ كبير وجرحٌ لا يشفى. هي لا تحتاج من يواسيها بأن الأمومة لها أشكال كثيرة. ولا من يطمئنها أن الحب يكفي. ما تحتاجه هو أن نعرف: أن ما فَقَدته كان ثميناً، وأنّ الحزن عليه مشروع.
