مريول جدّتي

من بين كل تفاصيل طفولتي، لا يزال مريول جدتي المُلوّن الأكثر حضوراً في ذاكرتي.
يشبه قماشه قماش المنشفة؛ كانت تربطه جدّتي حول خاصرتها من الأمام إذ لا يمكن إحكام ربطه من الخلف.
لونه أبيض وحوّافه زرقاء، وفي وسطه جيب صغيرة مُزدانة بثلاث زهرات ملونة، كانت جدّتي تستخدمها أحياناً لتعليق منشفة المطبخ.
كنت أقضي معظم عطلات نهاية الأسبوع في مطبخها، وربما تكون أعمق ذكرياتي المبكرة من تلك اللحظات.
في يوم من الأيام، ونحن منهمكتان في طبخةٍ ما، وعدتني جدّتي بأن ترثني هذا المريول الذي تجاوز عمره الثلاثين عاماً، وقد بهتت ألوانه تماماً وبدأت جيبته تتلف.
ربما لم تكن جادة تماماً، لكنني أخذت وعدها بجدّية، واعتبرت المريول أثمن إرث قد تُنقله إليَّ.
الإرث الحقيقي ليس في قماش المريول بحدّ ذاته، بل بالخبرات والقيم التي طبعتها فيّ جدّتي في المطبخ وخارجه.
أدركتُ عندها أنني مسؤولة عن الحفاظ على هذا الإرث المتوارث، المتجسّد في حياتنا اليومية وتاريخنا الاجتماعي—وأهمه طعامنا!
اليوم أصبحت مثل جدتي، أربط مريولي الأزرق والأبيض على خاصرتي وأعلّق فيه منشفة المطبخ، رغم أن جيبه الأمامي قد بدأ يتمزق.
أُخرج جرة ورق العنب التي أحضرتها من قريتنا، أُجهز الحشوة، وأجلس أمام التلفاز لأبدأ باللف تماماً كما كنت أفعل أنا وجدّتي في أمسيات عطلة نهاية الأسبوع.
بعيداً عن كل ما هو سريع ومقلق وصاخب، أجد نفسي مع المريول وجدّتي، في مساء هادئ بعد يوم شاق في المكتب.

مركز المحتوى